علاء الدين علي بن أبي الحزم المعروف بابن النفيس

ترعرع ابن النفيس في حمص وفي دمشق درس ابن النفيس الطبّ على يد "مهذب الدين عبد الرحيم" طبيب العيون الشهير وعمران الإسرائيلي وزامل ابن النفيس في التلمذة والتدريب ابن أبي أصيبعة وفي سنة 633هـ/1236م، نزح ابن النفيس إلى القاهرة، ويقال إنها كانت على أثر خصومة حادّة مع ابن أبي أصيبعة، فالتحق بالبيمارستان الناصري، واستطاع أن يصير رئيساً له، ثم انتقل بعد ذلك بسنوات إلى بيمارستان "قلاوون" على أثر اكتمال بنائه سنة 680هـ / 1281م. كما صار طبيباً خاصاً للسلطان بيبرس البندقداري ملك مصر والشام، طوال السنوات الاثنين والعشرين الأخيرة من عمر الظاهر بيـبرس.

ذاع صيت ابن النفيس الطبيب، ولكنه لم ينس الاهتمام بدراسة الفقه على المذهب الشافعي، فالتحق بالمدرسة المسرورية، ووصفه معاصروه بأنه كريم النفس، حسن الخلق، صريح الرأي، متديّن على المذهب الشافعي، ولذلك أفرد له السبكي ترجمة في كتاب كامله "طبقات الشافعية الكبرى"، باعتباره فقيهاً شافعياً".وقد عاصر في مصر أحداثاً هامة كان لها تأثيرها على المنطقة والعالم، منها الحروب الصليبية في الشام، واجتياح هولاكو والتتر لبغداد، وهدم التتار لها.

بعد مضيّ تسع وثلاثين عاماً على وجوده في مصر، وفي عام 671هـ / 1271م حلّ بها وباء اجتاح المدن والقرى وأصاب الناس إصابات بالغة. تصدَّى ابن النفيس لهذا المرض ، وعندما استفحل المرض واتسعت دائرة انتشاره، وراح يفتك بالرجال والنساء والأطفال، شكَّل فريقاً طبياً كبيراً لتنفيذ وصاياه في معالجة المرضى، وبعد حوالي ستة أشهر، استطاع هذا الطبيب السيطرة على المرض والقضاء عليه، فكرّمه المصريون، ولقّبوه "بالمصري"، وتردَّد على مجلسه العلماء والأعيان وطلاب العلم يطرحون عليه مسائل الفقه والطب والأدب

اقترن اسم ابن النفيس باكتشافه الدورة الدموية الصغرى، أو دوران الدم الرئوي، التي سجّلها في كتاب كامله "شرح مفصل تشريح القانون" لابن سينا، وقبل العالم الطبيب الإنجليزي هارفي المتوفى (سنة أولى068 هـ /1657م)، الذي بحث في دورة الدم بعد ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف من وفاة ابن النفيس، وظلَّ الناس يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن الحقيقة محي الدين التطاوي في رسالته العلمية. وقد أثار ما كتبه التطاوي اهتمام الباحثين، ولما اطَّلع "الدو ميلي" على المتنين قال: "إنّ لابن النفيس وصفاً للدوران الصغير تطابق كلماته كلمات سرفيتوس تماماً، وهكذا فمن الحق أن يعزى كشف الدوران الرئيس إلى ابن النفيس لا إلى "سرفيتوس أو هارفي".

غير أن اكتشاف الدورة الدموية الصغرى هي واحدة من إسهاماته العديدة، بل يعزى إليه أنه

  • اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى للدورة الدموية،
  • ووضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية،
  • وكشف العديد من الحقائق التشريحية،
  • وجمع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في عصره
  • وقدّم للعلم قواعد للبحث العلمي وتصوّرات للمنهج العلمي التجريـبي.
  • هو أوَّل من طالب مرضاه بضرورة الاعتدال في تناول الملح
  • وقدّم أدق الأوصاف لأخطار الملح، وأثره على ارتفاع الضغط،
  • كما أنه أبدع في تشريح الحنجرة وجهاز التنفس والشرايين وبيّن وظائفها.

مؤلّفات ابن النفيس
لابن النفيس مؤلّفات كثيرة نشر بعضها وما يزال بعضها الآخر مخطوطا لم ير النور بعد، من هذه المؤلّفات:

  • شرح مفصل فصول أبقراط
  • والمهذَّب في الكحل المجرَّب
  • رسالة في أوجاع الأطفال
  • مقالة في النبض
  • شرح مفصل قانون ابن سينا
  • بغية الفطن من علم البدن
  • شرح مفصل مسائل حنين بن اسحق
  • كتاب كامل المهذب في طب العيون
  • الموجز في الطبّ، شرح مفصل تشريح القانون

والأخير من أهمِّ الكتب، وتبرز قيمته في وصفه للدورة الدموية الصغرى، واكتشافه أنَّ عضلات القلب تتغذى من الأوعية المبثوثة في داخلها لا من الدم الموجود في جوفه. ويظهر في الكتاب كامل ثقة ابن النفيس في علمه؛ حيث نقض كلام أعظم طبيبين عرفهما العرب في ذلك الوقت، وهما: جالينوس، وابن سينا، غير أن أعظم مؤلَّفاته تتمثل في موسوعته الكبيرة المعروفة بـ"الشامل في الصناعة الطبية".

كان ابن النفيس إلى جانب نبوغه في الطب فيلسوفًا وعالمًا بالمادة التاريخ وفقيهاً ولغويًا، له مؤلّفات في اللغة والنحو، حتى كان ابن النحّاس العالم اللغوي المعروف لا يرضى بكلام أحد في القاهرة في النحو غير كلام ابن النفيس، وكان يقضي معظم وقته في عمله أو في التأليف والتصنيف أو في تعليم طلابه.

كتاب كاملاته الإسلامية:
اهتمَّ ابن النفيس بالعلوم الإسلامية وقد بقي من كتبه التي قيل عنها إنها كانت كثيرة،

  • كتاب كامل في سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم تحت عنوان: "الرسالة الكاملية في السيرة المحمدية"
  • وكتاب كامل آخر في أصول الحديث تحت عنوان: "مختصر في علم أصول الحديث".
  • وله رسالة في علم الكلام عارض فيها كتاب كامل "حيّ بن يقظان"، وهذه الرسالة تحت عنوان "فاضل بن ناطق".
  • "طريق الفصاحة" في النحو
  • "شرح مفصل الإشارات

" في الفلسفة والمنطق والتصوف
كما كتب ابن النفيس كتباً في الفقه، ولكنها كانت شرح مفصلاً على التنبيه للشيرازي.. غير أن المصادر التي أشارت إلى هذا الكتاب كامل ذكرته اسماً ولم تحصل على نسخة منه للتأكد من ذلك.

وفاته
وفي أيَّامه الأخيرة، بعدما بلغ الثمانين من العمر، مرض ستة أيام مرضًا شديدًا، وحاول الأطباء أن يعالجوه بالخمر، فدفعها عن فمه وهو يقاسي عذاب المرض قائلاً: "لا ألقى الله تعالى وفي جوفي شيء من الخمر". ولم يطل به المرض؛ فقد توفي في سَحَر يوم الجمعة الموافق (21 من ذي القعدة 687هـ = 17 من ديسمبر 1288م).





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©