أسس التعامل مع مراحل نمو الطفل







إذا كانت الحياةُ أغلى شيءٍ على الإنسان، فإن أهمَّ ما يُعين على استثمارها والشعور بأهميتها أن تكون البداية التي ينطلق فيها الإنسان مع الحياة بدايةً سويَّةً وصحيحةً، وبدايةُ الحياة الإنسانيَّة كلِّها تبدأ مع مرحلة الطفولة، التي إذا أحسنَ توجيهها ومراعاة مراحلها، كانت الحياة أسعد وأرغد، وكان الأمل بوجود إنسانٍ مستقيمٍ أكبرَ وأقوى.

فالطفلُ عالمٌ عجيب يُذهِلُ العقل ويَحار معه الفكر، جعله الله - سبحانه - سرَّ الحياة وبهجتها وزينتها، فصدق القائل عندما قال: "أولادُنا أكبادنا تمشي على الأرض".

إنه لوحةٌ بيضاء يَخطُّ أول الخطوط فيها أبواه المسؤولان عن تنميته وإرشاده، فهو يرضع مع لبن أمِّه الفكرَ والعادة والسلوك، ويأخذ من أبيه القدوةَ وكيفية التعامل مع الحياة؛ ولذلك كان على الأبوين التدقيقُ وإدراك مراحل نمو الطفل إدراكًا لا يَحيد عن الصواب قيد أُنْملة؛ فإن عدمَ الشعور بتطور الطفل وعدم إعطاء كل مرحلةٍ يَتطوَّر فيها حقَّها يؤدي إلى خللٍ في تربيته، وربما إلى أمراض نفسية وجسدية، فالطفل ليس هو الذي يرسم مسارات حياته، وإنما للأسرة الدور الأول في رسم هذه الخطوط.

فكيف تكون الأسرة ناجحةً في تربية الطفل إذا لم تَعرِف الأسس والقواعد التي يجب اتِّباعها في تربيته، والمراحل التي يمرُّ بها؟! فإن الطفل له عِدة مراحل مُهمة، تبدأ من طور الجنين ثم الرضيع، فطور النطق فالكلام فالمشي فالمدرسة.

ولا بدَّ من وقفة مع كلِّ مرحلة؛ لنعرف الأسس والقواعد التي تُسهم في نمو الطفل في كلِّ مرحلةٍ من المراحل السابقة:
1- طور الجنين:
على الأمِّ في هذه المرحلة أن تعرف أن أهمَّ قاعدة عليها مراعاتها هي أن تعلمَ أنَّ كلَّ حالةٍ تعيشها ستؤثِّر - إمَّا سلبًا وإما إيجابًا - على الطفل، فإذا كانت الأم مريضة مرضًا جسديًّا، فإن هذا المرض ربما سيكون له أثرٌ على النمو الجسديِّ للطفل في المستقبل؛ بل إن الباحثين بيَّنوا أنَّ كثيرًا من الأمراض التي يعاني منها الأطفال تكون نتيجةَ الوراثة؛ أي: إن الطفلَ ورث المرض من أمه[1].

يُضاف إلى ذلك أن تغذية الأم في هذه المرحلة تُعدُّ من أهمِّ الأسس التي يبنى عليها من أجل ضمان نموٍّ سليمٍ للطفل، وأهمُّ من ذلك كلِّه الحالة النفسية للأم، فإذا كانت الأم تُعاني من أرقٍ وقلقٍ وضغوط نفسيَّة كثيرةٍ، فإن تغذيةَ الجنين ستقلُّ وسيكون لذلك أثرٌ كبير عليه في المستقبل.

2- مرحلة الإرضاع:
فإن الأمرَ هنا يكون أكثرَ أهمية، ومراعاة الطفل تُصبح ضرورتها أكبر، فالأمُّ عليها أن تحافظ على غذائها وحالاتها النفسيَّة؛ لأنه وكما هو ثابت في الطب أن حليبَ الأمِّ فيه جميع العناصر الأساسيَّة التي يحتاجها الطفل، ولا يُمكن لأيِّ غذاءٍ أن يكون بديلاً عن هذا الحليب، فعلى الأب والأم أن يحرصا على الهدوء والراحة لكليهما؛ لأن ذلك سينعكس على أهم شيءٍ للطفل، وهو حليب أمِّه.

3-مرحلة النطق:
سمَّى بعض الباحثين هذه المرحلة بمرحلة الصِّياح والمناغاة، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل بإصدار أصوات غير ذات معنًى، ولكنه يستمرُّ فيها لفترةٍ زمنيةٍ قد تمتدُّ شهورًا، هذه المرحلة يحاول فيها الطفل تنمية جهازه النُّطقي، وإعداده من أجل إصدار حروف اللغة التي سيحادثُ بها مجتمعه، وتكون بوابة التواصل مع المجتمع بأكمله، ولذلك ينصح العلماء الأمَّ في هذه المرحلة بأن تُكثِر من مناغاة طفلها كي يُمرَّنَ جهاز النطق عنده من أجل البدء بتلقِّي الكلمات، وأكثر الأحرف التي ينطقها الطفل، وأسهلها عليه هي الأحرف التي تُسمَّى الأحرف الشفوية: الباء والميم، وكذلك الألف؛ ولهذا نرى أن الأطفال أول ما ينطقون به هو ماما وبابا[2].

4-مرحلة الكلام (التقليد اللغوي):
وتبدأ هذه المرحلة منذ بلوغ الطفل سنته الأولى، أو منذ السنة الثانية، وتستمرُّ حتى ست سنوات، وتُعدُّ هذه المرحلة من أخطر المراحل في تنمية اللغة عند الطفل، وأهمية اللغة لا يجهلها إنسانٌ؛ إذ هي عنوان تفكير الإنسان، وهي التي ترسم حالته النفسيَّة، وكذلك تُعبِّر عما يختلجه من مشاعر، وتُصوِّر التربية التي تربَّاها، ففي هذه المرحلة يكون الطفل مستعدًّا لتقليد الكلمات التي تأتيه من مصدرٍ خارجي، وأهم المصادر في تعلُّم اللغة الأم والأب، والأمُّ أهميتها أكبر؛ لأنها متصلةٌ اتصالاً دائمًا بالطفل، وبقاؤها معه أطول من بقاء الأب مع طفله، وقد بيَّن العلماء أن الطفل في هذه المرحلة يستطيع تعلُّم أكثر من لغةٍ، بشرط أن يلتزم الذي يُعلِّمه لغةً معينةً، وألا يكلِّمه بغيرها، بل يستمرُّ بمحادثته بها حتى نهاية مرحلة التقليد اللغوي، وقد ذكروا عدة تجارب؛ منها أن عالمًا لغويًّا فرنسيًّا أراد مع زوجته أن يعلِّما طفلتهما لغتين معًا، كانت الأولى فرنسيَّة، والثانية ألمانيَّة وهي لغةُ الأمِّ، فبدؤوا منذ بلوغها السنة الثانية، فصار الوالد لا يكلِّمها إلا بالفرنسيَّة، والأمُّ لا تكلِّمها إلا بالألمانية، وبعد فترةٍ من الزمن، صارت الفتاة لا تكلِّم أباها إلا بالفرنسية، أما إذا حادثت أمَّها، فإن محادثتها لها تكون باللغة الألمانية، بل إنها حتى ولو كلَّمها أبوها بالألمانية، فلا تردُّ عليه إلا بالفرنسيَّة، وقد طبَّق هذه التجربة باحثٌ عربي هو الدكتور عبد الله الدنان، فقد مارس هذه الطريقة مع ولده فلم يكلِّمه إلا بالفصحى، وبعد سنوات صار الولد مُتقِنًا للعربية الفصحى، مما سهَّل عليه تعلُّم القراءة في سنته الأولى في المدرسة فاستطاع التفوق على أقرانه، وقرأ أكثر من كتاب ورفاقه بعد لم يتعلموا القراءة[3].

إن الخطورة في هذه المرحلة تكون إذا صار الوالدان يلقِّنان طفليهما كلمات خارجة عن الطريق القويم، فإن الطفل في هذه المرحلة أدقُّ من آلة التسجيل؛ لذلك سيقوم بترديد الكلمات النابية التي سمعها في بيته، فعلى الأهل أن يحرصوا الحرص الكبير على إسماع طفليهما أفضل الكلمات في هذه المرحلة من مراحل نموه.






موضوع حصري لمنتديات شباب باتنة