لم تنفرد الشريعة الإسلامية

لم تنفرد الشريعة الإسلامية من بين الشرائع السماوية بمبدأ تعدد الزوجات، فشريعة التوراة تثبت أنه يباح للرجل أن يتزوج بمن يشاء، وهى تذكر أن الأنبياء كانوا يتزوجون من النساء بالعشرات لا بالآحاد. والتوراة هى كتب العهد القديم الذى يؤخذ به عند النصارى ما لم يوجد نص قد جاء فى الإنجيل أو رسائل الرسل يخالفها، ولم يوجد نص صريح فى المخالفة، والكنيسة كانت تأذن بالتعدد ولا تعارض فيه فى القرون الوسطى وما بعدها، وملوك أوروبا الذين عددوا الزوجات معروفون فى تاريخها.

وإذا كان الإسلام قد انفرد بشىء فى هذا المقام، فالذى انفرد به أنه قيد التعدد، فهو أول شريعة سماوية قيدت التعدد صراحة، فقد قيدته بثلاثة أمور: أولها: ألا يزيد عن أربع، وثانيها: ألا يكون فيه ظلم لإحداهن، وثالثها: أن يكون قادرًا على الإنفاق. والشرطان الأخيران لازمان فى كل زواج ولو كان الأول، فقد قرر فقهاء المسلمين على اختلاف فرقهم بالإجماع أنه يحرم الزواج على من يتأكد أنه لا يعدل مع زوجته إذا تزوج.

غير أن ذلك التحريم دينى لا يقع تحت سلطان القضاء، لأن العدل أمر نفسى لا يعلم إلا من جهته، والقدرة على الإنفاق أمر نسبى لا تحدد بميزان واحد، ولذلك ترك الأمر فيها إلى تقدير الشخص وهو إثم عليه العقاب يوم القيامة إن خالفه، ولأن الظلم أو العجز عن الإنفاق أمورٍ تتعلق بالمستقبل، والعقود لا تبنى صحتها على أمور متوقعة، بل تبنى على أمور واقعة، والظالم قد يكون عادلا، والعاجز فى المال قد يكون قادرًا، فالمال غاد ورائح، ومع ذلك قرر الإسلام أن الرجل إذا ظلم امرأته أو عجز عن الإنفاق عليها كان لها طلب التفريق ولكن لا يمنعها من العقد إذا دخلت راضية مختارة فى إنشائه.

والإسلام إذ فتح باب التعدد مع التضييق فيه على ذلك النحو قد دفع أدواء ومشكلات اجتماعية كثيرة:
فأولا - قد ينقص عدد الرجال الصالحين للزواج عن عدد النساء الصالحات للزواج، وخصوصًا عقب الحروب المفنية، فقد لوحظ فى بعض الدول الأوروبية أن عدد الرجال الصالحين بعد الحرب يعادل واحدًا إلى سبع من النساء فيكون من كرامة المرأة أن تكون زوجة ولو مع أخرى بدلاً من أن تكون حائرة بين أحضان الرجال.
وثانيا - قد يكون بين رجل وامرأة ما لا يستطيعان معه ألا تكون بينهما علاقة شرعية أو آثمة، فيكون من المصلحة الاجتماعية أن تكون شرعية، وخير للمرأة أن تكون زوجة من أن تكون خليلة تنتقل بين أحضان الرجال، وإذا كانت هذه صورة شوهاء للتعدد، فإنه فيها خير من عدم التعدد. فإن التعدد على أقبح صوره يدفع شرًّا اجتماعيًا أعظم منه.
وثالثا - لا يمكن أن تقبل امرأة الزواج من متزوج إلا إذا كانت مضطرة إلى ذلك اضطرارًا، فإذا كانت الزوجة الأولى ينالها ضرر بالزواج بالثانية، فإن الثانية ينالها ضرر أشد بالحرمان، إذ تموت أنوثتها أو تكون ضياعًا بين الرجال، والضرر الكبير يدفع بالضرر القليل.
رابعا - قد تُصَابُ الزوجة بمرض لا تكون معه صالحة للعلاقة الجنسية، أو تكون عقيمة، فيكون من المصلحة الاجتماعية والشخصية التزوج من أخرى. لهذه المعانى ولغيرها فتح الإسلام الباب مضيقًا، ولم يغلقه تمامًا. إن الإسلام شريعة الله الذى يعلم كل شىء، فهو العليم الحكيم.

------------



موضوع حصري لمنتديات شباب باتنة