موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة




حتى يبقى الحب(حب)



قصتي اليوم ليست من ذاك النوع الذي كانت تهدهدني به أمي وتبدأها بـ "كان ياما كان" ..
قصتي الآن .. حصلت الآن .. أمام ناظري ..
قصة حب كبير ..
قصة تجسّد كل معاني التضحية والفداء .. حتى يبقى الحبيب ..
إنّها قصة حب سُطّرت صفحاتها بالدماء ..

كان الجو ربيعياً دافئً، وكذلك كان جَوّنـا الأسريّ، فقد كنّا ننعم بدفء قلّ نظيره في زمنٍ أقلّ ما يقال عنه .. زمن ذل وقهر واستبداد ..
كلّ ما يحيط بنا قاتم مليء بالسواد، لباسنا أسود، سماؤنا سوداء، ليلنا هوالشيء الوحيد المضيء مما حولنا ..
كانت تضيئه قنشركة ابل مضيئة، تسقطها طائرات تمهّد كل ليلة الطريق لفرقة مَا، مِنْ فرق الطغاة لتسهّل لهم اقتحام منازلنا واصطياد مُناضلينا .. أو اعتقال رجالنا واغتيالهم.
لم أكن أحسب حساب أن يكون لنا دور، أو أن تكون لنا ليلة من تلك اليالي، فأنا لم أكن اعلم أنّ أبي من أولئك المطلوبين كما يسمّونهم، فقد كان هادءاً منكبّاً على ذاته، همّه الوحيد مواساة الجيران الذين فقدو أبناءهم في الحرب، أو مساعدتهم لإجتياز محنة ما.
ما كنت اعلم به .. مع أنني كنت اغبط ابنة جيراننا، وهي تتحدث عن بطولات أباها المعتقل، فاسأل أبي .. لماذا أنت لست منهم ؟ وكان يجيب: " لكلٍّ دوْره يا ابنتي، فلا تخافي سيأتي يوم تفخرين به بأباكِ ".
وجاء اليوم ..
تسلّل الحاقدون كعادتهم، كانت الحادية عشر ليلاً .. لن أنساها، لم يطرقوا بابنا، وضعوا نوعاً من المتفجرات على قفل الباب فانفتح، كانوا خمسة أو ستة، دخلوا وهم مدجّجين بالسلاح، وانتشروا في أنحاء المنزل، يفتّشون وينقّبون في أوراق أبي، وَ وضعونا جميعاً في غرفةٍ واحدة، الْتجأت " آمنة " إلى صدري .. لا اعلم لماذا لم تذهب الى أمّي، سرٌّ غريب دفع تلك الطفلة ذات الأربع أرجل، لتفرّ إلي أنا .. لحضْني أنا .. لعلّها أدركت بفطْرتها أني سأكون أمّها..





لم نتكلم بشيء .. سادنا صمت أشبه ما يكون بالهدوء الذي يسبق العاصفة .. فجأة انطلق أبي نحو أحد الجنود، محاولاً إقناعه بأن لا يرهبوا الأطفال، وأن تكون معاملتهم لنا بنوع من أنواع الحضارة !
دفعوه بالسلاح فوقع أرضاً، وبدءوا يرْكلونه بأقدامهم ..
لا اعلم كيف كانت اللحظة، ولا استطيع وصْفها، كيف دفعتنا جميعاً من حضْنها جانباً .. كيف تمّ ذلك بهذه السرعة .. لحضة تتحرّك فيها كل الأشياء بسرعة البرق ..
توجّهت أمّي نحْوَ أبي، محاولة أن تتلقّى عنْه بعض الضربات .. حاول الجندي إزاحتها، ولكن هيهات، فقد التصقت بأبي، أصْبحا جسداً واحداً .. سمعْتها تقول: " لن يُبعدك عنّي أحد أيّها الحبيب " ..
البكاء .. الصراخ .. يملئان البيت، كلّ المحاولات لفكّ التصاقهما فشلت ..
فما كان منهم إلاّ أن اطلقو النار بالهواء، في محاولة لإرهابهما .. لكنّ جندي حاقد، لم يعرف معنى الحب، أو أنّ المنْظر شكّل له نوعاً من أنواع هسْتريا الحب المفقود في قلْبه، فكانت رصاصته صائبة .. لم تكن في الهواء .. كانت في صدر الحبيبة ..
حشْرجت أمّي ..
أذكر أنّها وسْط صُراخنا .. ابتسمت ..
قالت: " ألم أقل لك، لن يأخذك أحد منّي .. غدرت بك يا حبيبي .. إنّي راحلة فأذْكرني .. ".
انطلقنا نحوها .. ضمّـتـْـنا .. لم تكن " آمنة " ُتدرك ما يحْدث، لكنّها كانت الأكثر بكاءاُ بيْـننا .. هوَت فوق أمّي تحاول الإمساك بها .. لكن هيهات، فقد غادرت وتركـتْـنا ..

أنا لا أحسن الكتابة .. لكنّي سوف أكتب قصة فداءها ..
وسأكتب عن معاناة ذاك الرجل الذي أراه الآن .. رغم البرْد القارص، يقفُ على باب المنزل وفي يده نسخة من القرآن .. يقرأ لها .. يُناجيها ..
أصبحنا عندما نبحث عنه نجده هناك .. فندرك أن الساعة اآن هي الثانية عشرة .. ساعة اللقاء اليومي ..

أعتذر لكم .. فأنا لا أحسن الكتابة .. لكنّي سوف أكتب قصة أمّي ألف مرّة ..
لأنّها علّمتني " أنّ اللقاء الحقيقي بمن تُحب .. يكون بالفداء له "


منقولة بأمانة(بوسه)


تقبلوا فائق تحياتي...........العقاب



موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©