موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة





مرَّ الزّمن ، وعادَ إليَّ ذلكَ الخوفُ الذي كدتُ أنساه، يَصحبُهُ جنونُ الوحدةِ و جلوسي كلَّ مساءٍ لكتابةٍ رسائلٍ تُولد من شوقي و غيرتي عليكَ، أقصُّ فيها يومي و انطباعاتي اليومية قبل غيابكَ و بعد بِعادك ، أتحدثُ من خلالها عن أيامٍ مليئةٍ بانتظارك !
لقد قلتُ لكَ الكثير يا عين ولم أقلْ لكَ الأهم !







مرَّ الزّمان وأنتَ مازلتَ تعبرُني ، مع هديلِ حمام الجيران .. مع الشمس .. مع أشجار الياسمين و الزّعتر و الزّيتون
و مع عرائشِ العنبِ في الحاكورةِ القريبة .. معِ العطر الآتي من شجرةِ القدر .. مع الأصواتِ و الوجوه و سُمرةِ شفةِ يافا التي كبرت ، مع فساتيها الملّونةِ و صوت بكاء غيرتها من أخيها عمر ..


مرَّ الزّمانُ وأنتَ مازلتَ تعبرني ، مع ظلمِ المطاراتِ العربية و برودةِ الطرق و جبروت المسافات وأنانيتها .. مع أزقةِ شوارعِ غزة وثورةِ مصرَ وسوريا
، مع قصائدِ درويش وتشبيهاتِ نزار و رواياتِ كنفاني وكتبِ جُبران ، مع أنينِ عودِ عبادي و حنجرةِ طلال و نسائمِ حنين فيروز .

مرَّ الزّمان وأنتَ مازلتَ تعبرني ، مع حديثِ صديقٍ لي يتعاملُ معي وكأنني وطن ، يُرافقني و يصعد معي نحو دهاليز طفولتي البعيدة لأصبحَ طفلةً من جديد ، يُحاسبني على جنوني فأتذمر و نختلف و تتعاكسُ آرائنا ثم نعود من جديدٍ أصدقاء .
.

مرَّ الزّمان و أنتَ مازلتَ تعبرني ، مع صدرِ جدتي الحنون الذي استبدلتهُ الأيام عن صدر أمي .. مع ثرثرة صديقتي عن الأشواق و القمر و السهرات الموحية بالدفء و الرغبة .. مع وقفتها في المطبخ صباحاً .. مع صوت أبيها و الجو العائلي الذي افتقدتهُ طويلاً .. مع أحاديثنا المتشعبة الطويلة و التي تمتدُ أحياناً حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل ، نتخذُ فيها الكتابة وطناً أو وصفةً أخرى للتذكر ..
مع خصلاتِ شعر نجاةِ المحنّاةِ .. مع طلتها و حزنها و شوقها و انتظاراتها و دعواتها الدائمة تلفها داخل جيبِ سترةِ ذلكَ الغائب .. مرَّ الزَّمان و أنتَ مازلتَ تعبرني لتعتذر لي عن كلِّ الأشياء التي كانت تبدو في نظري جميلةً و نادرة يوم كنا واجتمعنا !

و أسقطُ ولا أعلمُ لي تاريخَ سقوطٍ محدد فلكلِّ سقوطٍ تاريخ .. وما أكثرَ سقوطي أيها السائحُ على قبضةِ يدي
..
مع رائحةِ الليمونِ الأخضر أسقط .. أمام أغنيةٍ لمارسيل أمرُّ بها أسقط .. أمام الحقائب 2014ِ المنسيّة في ركن خزانتي و التي أشعرُ أنها تنتظركَ أو أنها على موعدٍ معكَ أسقط .. أمامَ كلِّ وجهٍ أعرفهُ ولا أعرفهُ يحملُ اسمكَ أسقط .. أمام دخانِ السجائر و الكعوبِ العاليةِ في الأفراح و الأطعمةِ المعدّةِ في الأفران أسقط
.. أمام فقيرٍ يتأوهُ جوعاً أسقط .. أمام وصايا شهداءِ قضيةِ وطننا أسقط .. أمامَ قميصٍ سماوّي اللون وثلاثةِ أشرطةٍ موسيقية لبيتهوفن أسقط !!

أسقطُ و تنفجرُ الرسائل دونَ أن أُجهد نفسي في البحثِ عن الكلمات .. دون أن أتحايلَ على هيبتها , لتأتي بلا تعاريجٍ أو ايحاءات !! .. رسائلٌ أُعلمها البكاء و الضحك .. أُعلمها الحب على طريقتي و أخافُ عليها أن أهجرها كي لا تشعر بالبرد و اليتمِّ دوني .. أعلمُ أني لم أُدهشكَ أبداً ، فكلُّ ما قلتهُ الآن لا يُفيد لأنه يأتي اليومَ متأخراً عن الحب !!

و أرمي عن أكتافي الرسائل التي تُفسدُ عليَّ أي متعةً بنسيانكَ .. و مع كلِّ sms رسالةٍ أكتشفُ أن بداخلي شيئاً لازالَ ينزفُ دون توقف .. أن حقداً غامضاً لا يُفارقني و يذكرَني أن شيئاً ما يحدثُ في مكانٍ لستُ أعرفه ، كبسمةٍ عينيكَ مثلاً لديمة أو ريما .. لا يهم !!

و يعلو صوت هاتفي .. يا الله كم مكالمةٍ أتتني حتى الآن خلالَ ساعتين من الكتابةِ إليكَ دون أن أشعر
، ألتقطهُ و أُلقي عليهِ نظرةً عابثة ، كنتُ أدري أني لن أجدَّ اسمكَ بين أسماءِ الذين طلبوني !!

بشيءٍ من الملل لازلتُ أبكيكَ وأشتاقكَ ..
بشيءٍ من القلقِ لازالَ الهوى باقياً ..
بشيءٍ من الخوف رحتُ أبحثُ في ملامحِ ما حدث عن فرحٍ ما ،
عن سعادةٍ ما , أجدُ فيها الحجةَ القاطعةِ على أنكَ كنتَ يوماً لي !!



يـافـا
3/7/1012


موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©