موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة



موال بغدادي - للشاعر المرحوم نزار قباني


إعداد و إلقاء : د . عدنان جواد الطعمة








أجرت محطة إذاعة و تلفزيون العراق في الشهر الثالث من عام 1962 مقشركة ابلة مع المرحوم الشاعر الكبير نزار قباني حيث ألقى عدة قصائد منها موّالٌ بغداديٌّ ، و ماذا أقول له ، و الديك الرومي وغيرها .

فمن حسن الحظ تمكنت من تسجيل إلقائه الرائع في حينه . وفي اليوم التالي من تلك الأمسية أقامت كلية التربية حفلة تكريمية للضيف الشاعر نزار قباني ، فهرعت من قسم الكيمياء بصدريتي إلى قاعة الحفلة و استمعت إلى قصائده الثلاثة و أضاف إليها قصيدة رائعة أخرى بعنوان : نهداك .

و عندما ذهبت مساء ذلك اليوم بدأت بالإستماع إلى التسجيل فحفظت القصائد كلها في تلك الليلة لتأثري بها .

واصبحت قصيدة رائعة بغداد بالنسبة لي بلسما شافيا لجراح و آلام الغربة اثناء السفر و الإبتعاد عن حبيبتنا بغداد .

وعندما ابتعثت إلى ألمانيا في الفترة الواقعة 1972 - 1976 إلى مدينة هالة للدراسة و الحصول على شهادة الدكتوراة في موضوع تدريس اللغة الألمانية كلغة ثانية على الطلبة العرب و الأجانب ، كما أبتعث معي أيضا الإخوان الدكتور عماد خير الدين لدراسة الأدب الألماني و الدكتور منذر الخطيب ( أبو عمر و علي ) و الدكتور ماجد الكحلة ( أبو هالة ) و الدكتور صائب الجبوري و الدكتور غالب رنكة و الدكتور فؤاد السامرائي و الدكتور فيصل وغيرهم لدراسة العلوم في الرياضة و السباحة و التمارين الأخرى . و كنا نلتقي على الأقل مرّة واحدة جميعا مع عوائلهم في الشهر في إحدى شققنا بالتناوب لتخفيف معاناة الغربة و تبادل الأحاديث الشيقة و الأكلات اللذيذة و الحلويات .

وذات مرة كنا مدعوين جميعا في شقة ( فلة ) الأخ الدكتور ماجد الكحلة ا أثناء حرب أكتوبر عام 1973 ، حيث إنتابنا جميعا الحزن و الحنين إلى الوطن و خاصة إلى بغداد ، طلب مني الأخ الدكتور ماجد أن ألقي على أسماعهم قصيدة رائعة بغداد للشاعر نزار قباني و قام الأخ ماجد بتسجيل القصيدة رائعة و أرسلها إلى والدته ، و قد إنسابت دموعنا على بغداد في تلك الليلة .
أقمنا نحن الطلبة العرب في أيام حرب أوكتوبر حفلة كبيرة في إحدى صالات السينما في مدينة هالة الواقعة على نهر سالة دعما لإخواننا المصريين و تبرعنا بدمائنا و أموالنا المتواضعة في حينه . وقد قمت بترجمة و إلقاء قصيدة رائعة الأديب الشاعر محمود درويش بعنوان : " بطاقة هوية " الذي كان مطلعها :

" سجل أنا عربي ... و رقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية و تاسعهم سيأتي بعد صيف " ...إلى آخرها."

آه يا بغداد ، ستبقين مرفوعة الرأس و خالدة و منتصرة إلى الأبد على أعدائك و أعداء العراقييين . لم و لن تسقط بغداد أبداً منذ آلاف السنين نتيجة الغزوات و الحروب و لم يستطع إسقاطها لاهولاكو ولا جنكيز خان و لا العثمانيون و الإنكليز و النظام البعثي البغيض البائد الذي دمّر و خرّب معالم بغداد و ضواحيها و حوّلها إلى خرابة و أرض وسخة جرداء لاماء فيها ولا كهرباء ولا دواء . و حتى قوى الإحتلال فإنها لم تسقط بغداد بل أسقطت عميلها الذي ساعدته إلى المجئ إلى الحكم لإسقاط جمهورية 14 تموز المجيدة بقيادة الزعيم الوطني الغيور المرحوم عبد الكريم قاسم الذي أعدم بأقل من ربع ساعة في محطة التلفزيون العراقية بدون محاكمة و ادعاء عام أو محامي الدفاع . وقد قتل و أعدم إخوانه الأبطال أمثال المرحوم العقيد فاضل عباس المهداوي و المرحوم العقيد ماجد محمد أمين و المرحوم العقيد وصفي طاهر و قائد القوة الجوية جلال الأوقاتي و بقية القيادة الوطنية قبل الثامن من شهر شباط المشؤوم عام 1963 وبعده .

ستعيد بغداد عافيتها و تنهض بإذن الله على سواعد أبنائها و أبناء العراق الشرفاء جميعا بمختلف قومياتهم وأديانهم و مذاهبهم لأن بغداد قلب العراقيين النابض و حبيبتهم الطاهرة و منارة المجد التليد .

رحم الله شهداءنا العراقيين جميعا لا سيما شهداء المقابر الجماعية قبل و بعد الإحتلال .
رحم الله الشاعر نزار قباني على نظم هذه القصيدة رائعة النادرة .











موال بغدادي

للشاعر المرحوم نزار قباني

(بغداد 8 / 3 / 1962)


مُدّي بساطي ..... واملأي أكوابي وانسي العتاب ، فقد نسيت عتابي

عيناك يا بغداد ، منذ طفولتي شمسان نائمتان في أهدابي

لا تنكري وجهي .. فأنت حبيبتي و ورودُ مائدتي ، و كأسُ شرابي

بغدادُ ... جئتك كالسفينة متعباً أُُخفي جراحاتي وراء ثيابي

ورميت رأسي فوق صدر أميرتي وتلاقت الشفتان بعد غيابِ

أنا ذلك البحّار أنفق عُمْرَهُ في البحث عن حُبٍّ وعن أحبابِ

بغدادُ ..طِرْتُ على حرير عباءةٍ و على ضفائر زينبٍ و ربابِ

و هبطت كالعصفور يقصدُ عِشَّهُ و الفجْرُ عِرسُ مآذنٍِ و قِبابِ

حتى رأيتك قطعة من جوهرٍ ترتاح بين النخل و الأعناب

حيث التفتّ أرى ملامح موطني وأشمّ في هذا التراب ترابي

لم أغترب أبداً ... فكلُّ سحابة ٍ بيضاءَ ... فيها كِبرياءُ سحابي

إنَّ النجوم الساكنات هضابكم ذات النجومِ الساكنات هضابي

بغداد عشت الحسن في ألوانه لكنَّ حُسْنك ، لم يكن في حسابي

ماذا سأكتب عنك يا فيروزتي فهواكِ لا يكفيهِ ألفُ كتابِ

يغتالني شعري .. فكلُّ قصيدة رائعة ٍ تمتصُّني .. تمتصُّ زيت شبابي

الخنجر الذهبيّ . . يشرب من دمي و ينام في لحمي و في أعصابي

بغدادُ .. يا هزجَ الأساور و الحلى يا مخزن الأضواء و الأطيابِ

لا تظلمي وترَ الرُّبابة في يدي فالشوق أكبرُ من يدي و ربابي

قبل اللقاء الحلو ... كنت حبيبتي و حبيبتي تبقين بعد غيابي ..

ألمانيا في 16 أكتوبر 2014



موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©