موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
أول شي يعطيكم العافيه على المجهود الواضح بهالمنتدى وحابة اضيف مشاركه وانشالله تعجبكم



في خضم تحضيري هذه الأيام لزفافي كنت أراقبها .. بإطلالتها الهادئة .. ومسحة من حزن عميق تلقي بظلالها على قسماتها..
عينيها الساجيتين دوما .. الغارقتين بتأمل ملتاع في ماض لن يعود ..
أختي منيرة ..
أو فلأقل عنها .. الوفاء .. حين يتجسد في صور 2014ة أنثى ..
هذه المخلوقة الرقيقة كوردة .. الشفافة كدمعة ..
العذبة كقطرة ندى .. لها قصة .. هي من أعجب القصص واشجاها ..
قصة حبها .. قصة فجيعتها .. قصة أوجاعها ..
وحكايات كثيرة .. ترويها دمعاتها الصادقة في تساقطها كلما حضرت زفافا .. أو ذكر اسم (سعد) أمامها ..
كانت اختي منيرة .. في بواكير العشرين .. وإطلالة الصبا .. حين رسمت مع سعد ابن عمتها أروع قصص الحب التي سمعناها أو قرأناها .. فضلا عن أننا عايشناها..
كان سعد نقيبا عسكريا .. ويعمل في السلاح الجوي وكان كأقرانه ذلك الوقت .. حلم أي فتاة .. بشاراتهالعسكرية اللامعة على كتفيه بقامته الرياضية الممشوقة .. وبلونه الأسمر الذي لوحته التدريبات القتالية التي نسمع كثيرا عن قسوتها وعن أنها تصنع الرجال .. كان للحديث عن سعد في مجالسنا رونق غير كل الشباب .. كنا نلمح بين ثنايا حديث عمتي إعجاب سعد الكبير بأختي منيرة ..
وعزمه على خطويتها وفور انتهائها من الدراسة الجامعية .. تأخرت منيرة في تخرجها .. فتقدم لها سعد في السنة النهائية ووافقت فورا .. لقد فاض شعورها وأخذت تعبر عنه بشرح طريقة طريقة كنت أحسها رغم أني كنت طفلة .. أذكر يوم خطوبتها .. كيف احتضنها والدي .. ودعا لها كثيرا .. وكيف أجلستني بجوارها تمشط شعري وتقول .. إذا سافرت أنا وسعد بعد الزواج سوف آخذك معي .. سعد عسكري وسيظل أغلب الوقت خارج المنزل .. وانتي ستكونين مثل ابنتي ..!!
ياه .. كم كانت أحلام عريضة يامنيرة !!
وتم كل شي على وجه السرعة ساعد بذلك ذلك الجو المشحون بالحب واللهفة والشوق والذي كنا نحسه متبادلا بين سعد ومنيرة .. والأمر الاخر ان فترة الخطوبة قد طالت .. وأزمة الخليج عام 1990 كانت بدايتها ولكننا بالطبع لم نستشعر خطر تلك الأزمة .. إلا بعد انتهائها .. فنحن نعيش ببلد آمن .. ولانعرف أننا نخوض حربا وأننا مهددون بالخطر في أي لحظة وقتها !!
امتدت الازمة وامتدت على إثرها الاجازة .. وقررت العائلاتان تعجيل الزواج بناء على رغبة سعد الملحة وموافقة منيرة وما أن عقد قرانهما حتى شعرنا أنهما طيران خلقا بروح واحدة .. وحلقا بعيدا عنا .. وعن كل ما حولنا .. كانت عينا اختي منيرة عندما تتحدث عن سعد .. ياه كيف أصفها .. كانت لكثرة حبها له .. عندما تتحدث عنه تلتمع عينيها بالدموع ..
كان حنان اختي منيرة من ذاك النوع المتوهج كأشعة الشمس الدافئة التي تتسلل لأوردتك .. ولكن الحب جعلها أكثر حنانا ورقة وتعطي بلا حدود !!
يوم زواجهم كان أسطوريا .. ولا يفهم من أسطوري أنه ضخم فخم لا .. بل إن هناك نوعا من الزيجات تشعر لماله وجمال الأرواح التي عقد زواجها تشعر أن هذا الجمال يمتد ليغطي كل مساحات الفرح ذاك اليوم .. تشعر ان كل من حضر زفافهما سعيد .. وكل من رأى منيرة أو صافح سعد سيشعر حتما بالسعاده .. كانت كلمة الجميع تلك الليلة .. (لقد خلقا لبعضهما) .
لازلت أذكر يوم أن غادرت الصالة .. ومنيرة تلملم أطراف فستانها بارتباك .. ولا تدري هل تحمل معها مسكة الورد .. أم تضعها مع الحقيبة !؟ أسرعت إليها أنا واختي منال .. فأعطتنا مسكتها وقالت أمسكيها حتى أركب السيارة .. وجاء سعيد ليبتسم بعذوبة .. ويأخذها مني .. لينتظر عروسه أن تضع قدميها في السيارة .. ثم يضع الورد بين راحتيها وينحني عليها هامسا ..
كنت بتوق طفولي أود سماع مايقوله .. لكنه أبعدني بلطف .. ثم أغلق الباب .. وغادرت سيارتهما ..
كان طيفهما يرحل كشفق غارب أراه أمامي للآن ..
ابتسامة سعد الراضية تلك .. لا انساها ..
رغم أني كنت صغيرة .. إلا أنني أدرك معنى عظيما قد لايدركه الكبار .. وهو معنى الرضا أو السعادة المرضية ..
غادرا وبقينا نحن في الصالة .. وإذا بصفارات الإنذار تصرخ بصوتها المرعب فيرتبك الجميع .. وتتفرق الحاضرات .. خرجنا ونحن مرتبكون وخائفون .. توجه الكل لمنازلهم .. وبقينا طوال الليل والفجر نحاول الاتصال بمنيرة وسعد دون جدوى .. فشقتهما ليس فيها هاتف وكيف لعروسين أن يشعرا بما حوليهما .. وأن يتصلا بنا لطمأتنا ..؟
كنا نلتمس لهم العذر ونراقب التلفاز ونسمع الراديو ونحن في قمة الخوف والتوتر .. هناك قصف كم هي مؤلمة هذه الكلمة التي لم يعرفها قاموس بلدنا ولا اي بلد مجاور كلمات كثيرة سمعتها ذلك الوقت وكم اكره سماعها ثانية .. حالة استنفار .. اتباع تعليمات السلامة .. إشارة قرب الخطر .. وقوع الخطر .. زوال الخطر ..
أذكر اني بقلبي الطفولي البرئ كان مجرد مرور طيف سعد أمامي يبعث الاتياح أراه ببذلته العسكرية يقاتل ويمنع الاعداء من الاستيلاء على أرضي .. كنت أقول لأمي بسذاجه وبفخر فتقول ادعي ربك ياابنتي ان يحفظنا ويحفظ سعد وكل المسلمين ..





وأما مابقى من طيوف سعد .. فهو مالاأطيق روايته ولا استطيع الحديث عنه فكيف سأصف لكم منظر اختي منيرة صباح ذلك اليوم كيف جاء بها أبي من بيتها كتمثال شاحب .. تهتز كعصفور صغير ضعيف وعلى وجهها الجميل بقايا زينتها التي لم تمحها بعد ..
لم استوعب لحظتها كل ماسمعته ..
لكن الشي الوحيد الذي استوعبته .. وفهمته ووعيته .. رأيته في عيني أختي ذلك الصباح لقد كانت عينيها كعيني من فقد النظر .. كانت تحدق في شي لا أدري ماهو ..
كانت عينيها جامدة تماما لا بكاء .. لاتعبير .. لانظرة ..
أرعبتني عيناها لقد ادركت بغريزتي أن منيرة قد فقدت شيئا هائلا شيئا تعتمد عليه تماما ولا تستطيع الاستغناء عنه .. كمن يفقد بصره فجأة .. فكيف يقوى على الاحتمال قالت بشرود .. ( طرق الباب بشده .. وسعد جالس معي ..
رفعت عينيها لأبي وقالت وعلى شفتيها تنتحر آلاف الكلمات .. لقد كان معي سعد يايبه .. لم يكن معي فقط .. في تلك اللحظه بالذات كنت وسعد شيئا واحدا .. ثم أخفضت رأسها وتابعت تتحدث : قام ليفتح الباب .. وتحدث بسرعة وارتباك مع رجل ما .. عاد إلي وقد امتقع لونه ..و.. وخذلت الكلمات منيرة فغصت بها ولم تستطيع إكمال حديثها ..
كانت كلماتها تلك آخر ماسمعته منها قبل أن تفقد النطق لمدة عام تقريبا ..
كل مافهمته وعرفته أن سعد استدعي ليلة زفافه ولبى نداء الدين والوطن .. ارتدى ملابسه العسكرية وودع روحه التي سكبها في قلب منيرة لتحيا بها ماتبقى من عمر دون سعد ..
ونعي ألينا سعد ..
شهيدا .. فجر زفافه ..
وغاض كل شعور جميل .. وكل بهجة وسعادة من حياة اختي منيرة ..
العروس التي فجعت بحبها في ليلة فرحها .. كانت كظامئ منذ ألف عام .. ولما قرب الكأس من شفته .. حرم منه للأبد .
بقيت منيرة صامته لمدة عام وأكثر لا يفيد معها علاج ولا اي شي آخر ..
حتى جاء ذلك اليوم الذي نذكره جميعا يوم أن خطبت من ابن خالتي ..
نطقت منيرة يومها ..
قالت بصوت متقطع انكرناه ولا نعرفه .. بل اننا نسيناه ..
( والله .. مايلمسن msnي رجال غير سعد )
وغادرت المجلس ..
ثم عادت .. قبلت رأس أبي وبكت ..
قالت بصوت متقطع ( يبه سعد ينتظرني بالجنه عسى الله ياخذني له اليوم قبل بكره )
كان منظر أبي وهو يهتز ويبكي مريعا ..
واحسست وقتها أن كل ماحولي يقف إجلالا لقلب هذه المرأة ..
كثيرا مارافقت منيره غرفتها ..
كثيرا مارأيت دموعها التي لاتشبهها أي دموع وهي تدعو في جوف الليل ..
كثيرا مااستيقظت من نومي لأراها تتحسس صور 2014ته وتشهق ببكاء خافت ..
بقيت هذه المرأة وفيه لسعد ..
وهاهي منيره الآن ..
سعيده مع من حولها تحب الاطفال .. لكن تلك النظره المهيبه في عينيها وهي تحدق في الماضي المريع لاتكاد تفارقها أي لحظه .

موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©