التحرير الجلي في عدم ثبوت شيء مرفوع في "النظر إلى محل السجود في الصلاة"
[بحث حديثي لأحاديث الباب]


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
فإنَّ من أهم المهمات وأفضل القربات مدارسة العلم وتحريره وتحقيقه، ثم كلما كانت الحاجة إليه أشد والحاجة أمس كلما ارتفع قدره، وهذا البحث يدور ويتعلق بالركن الثاني من أركان الإسلام ألا وهو (ركن الصلاة)، فإني قد وقفت منذ فترة ليست باليسرة خلال قراءتي لأحد الكتب - وقفت على مقولة استنكرتها لما عُلم من طبيعة البشر من الركون إلى المشهور والأنس بالجمهور، وهذه المقول هي التصريح بضعف أحاديث (النظر إلى محل السجود) ولم تتحرك همتي حينها للنظر بإنصاف لهذا القول، ثم مر زمنٌ فنشطت لبحث المسألة بصورة موسعة، وكنت كلما وقفت على حديث أقول: لعل هذا ينجو من الإعلال ولكن كلما امتد البحث ووقفت على طرق كلما تيقنت من وهاء تلك الطرق، فكانت النتيجة أن وجدت بعد انتهاء البحث صواب ما قاله الشيخ الفاضل، ثم رأيت أنه من المناسب نشر مثل هذا حتى يتنبه غيري ويقف على ما وقفت عليه، فعزمت على ترتيب البحث ليصلح للنشر فكان ذلك كما ترى، وأنا هنا لا أريد الخوض في المسألة من الناحية الفقهية أو بحث ما سوى المرفوع من الآثار،فالخلاف بين السلف مشهور والجمهور على أنّ المصلي ينظر إلى محل السجود، ومالك على خلافه، ومال الإمام الألباني إلى التفريق بين الإمام والمأموم، ولعل قول الجمهور هو الراجح فقد ورد عن بعض التابعين.
وإنما مرادي في هذا البحث تحرير المقال في الأحاديث المرفوعة فقط، فخذه سائغا لك غنمه وعليّ غرمه ، وأسأل الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل، وأسأله سبحانه أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه هو العليم الحكيم.

الشروع في البحث

اعلم أخي القارئ أنّ مدار المرفوع في هذا الباب على سبعة أحاديث ، لم يُخرج أصحاب الكتب التسعة منها شيئًا، وحصَّل منها البيهقي في "السنن الكبرى" وابن عدي في "الكامل" جملة وافرة، وسيأتي تحرير ضعف عامتها بل ضعفها الشديد ، وإليك بحثها تفصيلًا:

الحديث الأول:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ (الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ) فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ.
وهذا الحديث رواه الحاكم في "المستدرك [2/463ٍ] والبيهقي في "السنن الكبرى" [2/283] ، والواحدي في "أسباب النزول" [ص508] متصلًا من طريق أَبي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ، ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
وقد اختلف على أيوب في الرفع والإرسال وعلى إسماعيل بن علية فضلا عن الاختلاف على ابن سيرين وفي كلها الترجيح قطعًا للمرسل لكثرة من أرسله ولرفيع منزلتهم كما سترى.

فأما الاختلاف على ابن سيرين فقد رواه كلٌ من:
1- عبد الله بن عون:
وهو أثبت الناس في ابن سيرين مع أيوب.
رواه عنه خمسة يونس بن بكير[مصنف ابن أبي شيبة] وهشيم [مصنف ابن أبي شيبة، المؤتلف والمختلف للدارقطني، ابن جرير في تفسيره] وأبو شهاب ["الاعتبار" للحازمي]، وعيسى بن يونس["تعظيم قدر الصلاة"] عن ابن عون كلهم روونه مرسلا.
وأشار الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" إلى غيرهم فقال: عبد الوهاب الخفاف وغيره عن ابن عون عن محمد مرسلا ا.هـ
* تنبيه: هناك خلاف ضعيف منكر عن ابن عون لا يُلتفت إليه لذا أعرضت عنه.
2- هشام بن حسان.
وهو من أثبت الناس في ابن سيرين.
وهذا أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (ر 136).
3- أيوب السختياني.
فقد رواه عنه مرسلا كلٌ من:
أ- حماد بن زيد.
أشار إليها البيهقي فقال: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ مُرْسَلاً.
ب- إسماعيل بن علية.
وقد اختلف عليه ولكن هي الصواب من روايته فقد رواه عنه عن أيوب عن ابن سيرين مرسلا كلٌ من:
1- الحافظ الثبت سعيد بن منصور.
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى".
2- يعقوب بن إبراهيم وهو الدورقي الحافظ.
كما عند ابن جرير. [في أول تفسره على سورة (المؤمنون) وهكذا كل ما يأتي].
ورواه الحاكم في "المستدرك" و"البيهقي" في "السنن" والواحدي في "أسباب النزول" عن أحمد بن يعقوب الثقفي عن أَبي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِىُّ عن أبيه عن إسماعيل.. موصولًا، وعند، الحازمي في "الاعتبار" –مخطوط [1]- من طريق ابن يعقوب عنه بغير ذكر أبيه.
وأبو شعيب اسمه : عبد الله بن الحسن ، قال فيه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، وأما أبوه الحسن بن أحمد بن أبى شعيب فقد روى له مسلم وهو ثقة يغرب كما ذكر ابن حبان والحافظ ابن حجر.
ومثل هذا لا يقارن بالحافظين الإمامين سعيد بن منصور ويعقوب بن إبراهيم ، ويؤكد هذا صحة الرواية المرسلة عن حماد بن زيد عن أيوب مرسلة.
وهذه الطريق الموصولة هي عمدة من صححه وكما ترى تصحيح نمذجي مفصله بهذه الطريق دون خرط القتاد.
4- خالد الحذاء.
رواه عنه ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عنه.
5- حجاج الصّواف.
أخرجه ابن جرير في تفسيره لكن فيه شيخه ابن حميد الرازي فلا اعتبار بهذه الطريق.

فرواه هؤلاء الأربعة أو الخمسة عبد الله بن عون، وهشام بن حسان، وخالد الحذاء، وأيوب في رواية حماد بن زيد كما في الرواية الثابتة عن إسماعيل بن علية عنه كلهم يروونه مرسلا.

وأما الاختلاف على أيوب السختياني:
فقد رواه كما سبق حماد بن زيد أثبت الناس فيه عنه عن ابن سيرين مرسلا، ورواه إسماعيل بن علية عنه -أيوب- عن ابن سيرين مرسلا في رواية الثقتين الجبلين سعيد بن منصور ويعقوب الدورقي، والمرجح هنا هو رواية حماد ورواية إسماعيل من طريق الحافظين.
ولو سلَّمنا جدلًا بصحة الرواية عن إسماعيل فحماد بن زيد أوثق منه فهو مقدم على إسماعيل بن علية عند ابن معين والنسائي.

وأما الاختلاف على إسماعيل بن علية:
فقد رواه كما مرَّ ابن منصور والدورقي عن أيوب مرسلا، وخالفهما والد أبي شعيب ، وأبو شعيب اسمه : عبد الله بن الحسن ، قال فيه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، وأما أبوه الحسن بن أحمد بن أبى شعيب فقد روى له مسلم وهو ثقة يُغرب كما ذكر ابن حبان والحافظ ابن حجر.وهذه منها، ويؤكد صحة الرواية المرسلة رواية حماد بن زيد عن أيوب مرسلة.
وهذه الطريق الموصولة هي عمدة من صححه وكما ترى تصحيح نمذجي مفصله بهذه الطريق دون خرط القتاد، فما من طبقة إلا وقد اختلف فيها والراجح في جميعها الطريق المرسلة.

**قال الحافظ البيهقي في "السنن":
هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مُرْسَلٌ. ا.هـ
**قال الحاكم في "المستدرك":
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَوْلَا خِلَافٌ فِيهِ عَلَى مُحَمَّدٍ فَقَدْ قِيلَ عَنْهُ مُرْسَلًا وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. ا.ه
**قال الذهبي في "التلخيص":
الصحيح مرسل ا.هـ

الحديث الثاني:
أنَّ أَبَا قِلاَبَةَ الْجَرْمِىَّ قال : حَدَّثَنِى عَشَرَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى قِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِنَحْوِ مِنْ صَلاَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُلَيْمَانُ : فَرَمَقْتُ عُمَرَ فِى صَلاَتِهِ ، فَكَانَ بَصَرُهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ."
رواه ابن عدي في "الكامل" [4/ 270]،والبيهقي في السنن [2/ 283]، من طريقه فقال أَخْبَرَنَاه ابْنُ سَلْمٍ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْخَوْلاَنِىِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا قِلاَبَةَ الْجَرْمِىَّ..الحديث.
وأخرج الحديث ابن عساكر في ترجمة (سليمان بن داود) الأولى من طريق ابن عدي من غير جهة البيهقي ، والثانية قال فيها:
أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد نا عبد العزيز بن أحمد أنا علي بن محمد بن طوق أنا عبد الجبار بن محمد بن مهنى نا أبو عبد الله الهروي وأبو الحسن أحمد بن عمير قالا نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي نا عمرو بن أبي سلمة نا صدقة بن عبد الله به.
وأخرجه في ترجمة (أبي قلابة) من طريق البيهقي.

والسند مداره على صدقة عن سليمان بن داود:
- فأما صدقة بن عبد الله فهو السمين وعامة العلماء على تضعيفه، قال أحمد:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : ما كان من حديثه مرفوعا فهو منكر ، و ما كان من حديثه مرسلا عن مكحول فهو أسهل ، و هو ضعيف جدا .
و قال فى موضع آخر : ضعيف ، ليس يسوى حديثه شيئا ، أحاديثه مناكير .
و قال أبو بكر المروزى ، عن أحمد بن حنبل : ليس بشىء ، ضعيف الحديث .
قال البخاري في "الضعفاء ": ما كان من حديثه مرفوع فهو منكر وهو ضعيف الحديث [جدا].
و قال مسلم : منكر الحديث .
وفي "تهذيب التهذيب" قال الدارقطني: متروك كان بالبصرة ثم صار بالكوفة.
وقال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يشتغل بروايته إلا عند التعجب. [قال الذهبي: وقد طحنه أبو حاتم بن حبان].
وفي كتاب كامل ابن الجوزي: ضعيف جدا.
قال ابن ماكولا في الإكمال:منكر الحديث.
وكان الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ودحيم وأحمد بن صالح وآخرون يرفعون من شأنه، والقول قول عامة المحدثين قال ابن عدي:
وأحاديث صدقة منها ما توبع عليه وأكثره مما لاَ يُتَابَعُ عَليه ، وَهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق. ا.ه
قلت: وهذا الحديث مما لم يتابع عليه وإنما يذكر ابن عدي من مرويات هؤلاء ما استنكر عليهم واستغرب منهم.

ثم مع هذا فسليمان بن داود فيه ضعف، والطريق الأولى فيها عنعنة الوليد بن مسلم.
فالحديث إلى الضعف الشديد أقرب منه إلى الضعف.
**وقد أشار لضعفه :
البيهقي بعد أن أخرجه فقال: "لَيْسَ بِالْقَوِىِّ"
والنووي في "خلاصة الأحكام".

الحديث الثالث:
أَنَّ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- كَانَتْ تَقُولُ عَجَبًا لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إِذْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ حَتَّى يَرْفَعَ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّقْفِ يَدَعُ ذَلِكَ إِجْلَالًا لِلَّهِ وَإِعْظَامًا ، " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا ""
رواه ابن خزيمه في صحيحه [4/ 332] والحاكم في "مستدركه" [1/ 656]، والبيهقي في سننه [5/152] كلهم من طريق: أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مَالِكٍ اللَّخْمِىُّ ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيُّ ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ عَائِشَةَ.. الحديث.
وكلهم أوردوا نسبه تامًا، وأحمد بن عيسى هذا قال عنه:
ابن عدى : له مناكير .
قال ابن يونس: كان مضطرب الحديث جدا.
قال ابن حبان:يروى عن المجاهيل الأشياء المناكير وعن المشاهير الأشياء المقلوبة لا يجوز عندي الاحتجاج بما انفرد به من الأخبار.
و قال الدارقطنى : ليس بالقوى .
وقال مسلمة : كذاب حدث بأحاديث موضوعة
قال ابن طاهر: كذاب يضع الحديث.
قال في إكمال تهذيب الكمال:
كذاب. ا.هـ
قال الذهبي في "المغني" تعقيبًا على كلام الدارقطني: قلت نعم رأيت للخشاب في موضوعات ابن الجوزي الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعاوية فصدق ابن طاهر .ا.هـ

فهو ضعيف الحديث جدا كذاب إما تعمدًا أو لشدة تخليطه ، والعجب من الحاكم حيث قال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وتابعه الذهبي على ما نقل العلامة الألباني وأقرهما فقال في أصل صفة صلاة النبي-صلى الله عليه وسلم-:
. ووافقه الذهبي . وهو كما قالا . ا.هـ [1/232]
ولا شك أنّ هذا وهم من الإمامين، فشيخ البخاري أحمد بن عيسى بن حسان ، وهذا آخر غيره فقد صرح الثلاثة ابن خزيمة وهو أعلم بشيخه راوي الحديث والحاكم والبيهقي من بعده بنسب الراوي فلا يمكن الشك في عينه، ثم هو من الرواة عن عمرو بن أبي سلمة كما في "إكمال الكمال" وغيره، وهكذا هو معدود في مشايخ ابن خزيمة وهو قد رواه عنه انظر "الأسامي والكنى" للحاكم [2/ 184].

**ولذا ذكر في "مرقاة المفاتيح" تعقب الذهبي على كلام الحاكم فقال:
تعقبه الذهبي بأنّه منكر متفق عليه ا.هـ
وهذا يخالف ما نقله الإمام الألباني-رحمه الله- عن الذهبي فليحرر.
قلت: ولو سلم الحديث من أحمد بن عيسى الضعيف لما خرج الحديث عن حيز الضعف الشديد لأنّ رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد فيها نكارة، قال أحمد:
روى عن زهير أحاديث بواطيل ، كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير .
قال الأثرم في روايته: وأظنٌّه قال : موضوعةٌ ا.هـ
وعمومًا زهير بن محمد رواية أهل الشام عنه عمومًا فيها ضعف شديد وهذه منها قال الحافظ في مقدمة الفتح:
وقال أبو حاتم: في حفظه سوء وحديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق، وقال العجلي والبخاري والنسائي نحو ذلك، وقال ابن عدي: لعل أهل الشام أخطؤا عليه فإنّ روايات أهل العراق عنه تشبه المستقيمة وأرجو أنّه لا بأس به" ا.هـ أي في رواية غير أهل الشام عنه.
**ولذا قال ابن أبي حاتم: وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمة التِّنِّيسي، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَة، عَنْ سالم بن عبد الله، عَنْ عائِشَة؛ قَالَتْ: دخَلَ رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم- الكعبةَ، مَا خَلَفَ بَصَرُهُ موضعَ سُجودِه، حَتَّى خرجَ مِنْهَا؟
فسمعتُ أَبِي يَقُولُ: هُوَ حديثٌ مُنكَرٌ. ا.هـ
وقال ابن رجب في "شرح مفصل علل الترمذي" مستدركا على صنع الحاكم في هذه السلسلة وما شابهها: والحاكم يخرج من روايات الشاميين عنه كثيراً ، كالوليد بن مسلم ، وعمرو بن أبي سلمة ، ثم يقول : (( صحيح على شرطهما )) . وليس كما قال ا.هـ
**قال الشيخ مقبل –رحمه الله- معلقًا على قول الحاكم (على شرط الشيخين):
لا، عمرو بن أبي سلمة روى عن زهير بن محمد بواطيل، قاله الإمام أحمد رحمه الله ا.هـ
وانظر العلل الكبير للترمذي [ص 395] وقد ذكر بنحوه عامة من توسع في ترجمة زهير بن محمد.
فالحديث باطل.

تنبيه: وأنت إذا تأملت كون الحديث السابق في النظر إلى محل السجود من طريق عمرو بن أبي سلمة عن زهير وهذ من طريقه كذلك عن صدقة تذكرت ما سبق ونقلتُه عن الإمام أحمد من قوله:
روى عن زهير أحاديث بواطيل ، كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير. ا.ه
فرحم الله علماء العلل وأطباءه.

الحديث الرابع:
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَضَعُ بَصَرِى فِى الصَّلاَةِ؟ قَالَ :« عِنْدَ مَوْضِعِ سُجُودِكَ يَا أَنَسُ ». قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا شَدِيدٌ لاَ أَسْتَطِيعُ هَذَا. قَالَ :« فَفِى الْمَكْتُوبَةِ إِذًا ».
أخرجه البيهقى [2/284] . وأخرجه أيضًا : العقيلى [3/427 ، ترجمة 1468 عنطوانة)، وابن الأعرابي في معجمه (ر 370)، وأخبار أصبهان لأبي نعيم (ر 897)، والخطيب في "الكفاية" (باب ما جاء في إبدال حرف بحرف)، والحاكم في معرفة علوم الحديث"..كلهم من طرق مرجعها إلى الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ- وهو عُلَيْلَةُ- عَنْ عُنْظُوَانَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ به.
والربيع بن بدر المعروف بعُلَيْلَةُ شديد الضعف بل متروك:
قال يحيى بن معين: الربيع بن بدر ليس بشئ.
قال إسحاق بن إبراهيم: سألت أحمد عن الربيع بن بدر، فقال: لا يسوى حديثه شيئا.
قال النسائى ، و يعقوب بن سفيان ، و ابن خراش : متروك .
و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : واهى الحديث .
قال العقيلي: ومتروك.
و قال أبو حاتم : لا يشتغل به و لا بروايته فإنه ضعيف الحديث ، ذاهب الحديث .
و قال أبو أحمد بن عدى : عامة رواياته عن من يروى عنه مما لا يتابعه عليه أحد
و قال مسعود السجزى ، عن الحاكم : يقلب الأسانيد ، و يروى عن الثقات المقلوبات ، و عن الضعفاء الموضوعات .
و كذا قال ابن حبان .
و قال الدارقطنى ، و الأزدى : متروك .
قال الذهبي: واه.
قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": متروك.
فمن كان هذا حاله فلا يصح في الشواهد والمتابعات *ولذا فما نقله الإمام الألباني-رحمه الله- عن علي القاري في " المرقاة " (2/37) :
قال ابن حجر - يعني : المكي الفقيه - : وله طرق تقتضي حسنه " . والله أعلم . ا.هـ
قلت إن قصد هذا الحديث فليس له إلا هذه الطريق وأما النظر إلى محل السجود فأحاديث شديدة الضعف لا تتقوى.

ثم في الحديث علة أخرى فعُنْظُوَانَة هذا مجهول العين لا يُعرف إلا بهذا الحديث بهذا الإسناد.
قال العقيلي : قال العقيلي: مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ روى عنه الربيع بن بدر ا.هـ

**وقد أشار لضعفه جماعة:
فساقه العقيلي في ترجمة عنطوانة وبعد أن حكم على الربيع بكونه متروكًا.
والنووي في "خلاصة الأحكام".
وابن طاهر في "ذخيرة الحافظ".
وابن القطان في "بيان الوهم والإيهام".
وابن عبد الهادي في رسالته " جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة"
وقال ابن رجب: وفيه حديثان مرفوعان ، من حديث أنس وابن عباس ، ولا يصح إسنادهما ا.هـ

الحديث الخامس:
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ثم يضع يمينه على شماله ويشخص ببصره إلى موضع سجوده، ثم يستفتح القراءة ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون})).
أورده قوام السنة في "الترغيب والترهيب" [2/ 421 ] قال وحدثنا عبد الله بن محمد بن بشر، ثنا محمد بن سليمان بن هشام، ثنا عبد الرحمن المحاربي، ثنا النضر أبو عمر الخزاز عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وهذا فيه محمد بن سليمان بن هشام :
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أحاديثه مسروقة يسرقها من قوم ثقات و يوصل الأحاديث.
وَقَالَ ابْنُ حبَان: منكر الحديث بين الثقات كأنه يسرق الحديث.يعمد إلى أحاديث معروفة لاقوام بأعيانهم حدث بها عن شيوخهم، لا يجوز الاحتجاج به بحال.
قال ابن طاهر في تذكرة الحافظ:
وَمُحَمَّدٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنِ الثِّقَاتِ.
وقال في محل آخر:
وَمُحَمَّدٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنِ الثِّقَاتِ، كَأَنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، يَعْمِدُ إِلَى حَدِيثٍ مَعْرُوفٍ لأَقْوَامٍ بِأَعْيَانِهِمْ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ شُيُوخِهِمْ.
ومفهوم كلام الخطيب اتهامه بالسرقة أو الوضع.
قال أبو العباس بن عقدة : فى أمره نظر .
و قال أبو على الحسين بن على النيسابورى الحافظ : ضعيف ، منكر الحديث . ا.هـ
قال الذهبي في "المغني": ضعفوه بمرة
فقول الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في "التقريب" : ضعيف" غير جيد.
وهكذا قول الذهبي في كتاب كامل "من له رواية في الكتب الستة"، لكن الذهبي قد صرح في "المغني" بضعفه الشديد، وهكذا في "الميزان" اقتصر على من اتهمه بالسرقة، والعجيب أنّه لم يوثقه أحد ولم يثنِ عليه أحد ، والكلام فيه كما ترى شديد ومفسر فمثل هذا لا يرتفع حاله مع التوثيق فكيف مع فقده؟!

وهناك حديث آخر عن ابن عباس-رضي الله عنهما-:
الحديث السادس:
عنِ ابن عباس-رضي الله عنهما- قَال : كان رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام إلى الصلاة ، لم ينظر إلاَّ إلى موضع سجوده"
أخرجه ابن عدي في "الكامل" [4/313] في ترجمة (علي بن أبي علي القرشي) قال:
حدَّثَنا منصور بن سلمة ، حَدَّثَنا أبو التقي هشام بن عَبد الملك ، حَدَّثَنا بَقِيَّة ، قَال : حَدَّثني علي بن أبي علي القرشي ، قَال : حَدَّثني ابن جُرَيج ، عَن عطاء ، عنِ ابن عباس..به.
وعلته الراوي المترجم له:
**قال أبو حاتم في حديث رواه:
هَذَا حديثٌ مُنكَرٌ، وعليٌّ القُرَشيُّ مجهولٌ
قال ابن عدي:
مجهول ومنكر الحديث.
ومثله في "ذخيرة الحفاظ" لابن طاهر، و"تحفة المحتاج" لابن الملقن-رحم الله الجميع-.
والظاهر أنّه مجهول العين.

** وقد ورد هذا الحديث من طريق ابن عمر-رضي الله عنهما- كما في "الغرائب والأفراد" للدارقطني، حيث ذكر ابن طاهر في أطراف" كتاب كامل الأفراد" للدارقطني [1/ 524]:
حَدِيث: أَنّ النَّبِي كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة لم ينظر إِلَّا إِلَى مَوضِع سُجُوده.
تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عبيد بن الْحَارِث عَن أَبِيه عَن ابْن عُيَيْنَة بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ. ا.هـ
أي عن: سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه.
قلت: ومحمد بن عبيد بن الحارث وأبوه لم أقف على ترجمتهما وهذا التفرد عن ابن عيينة والزهري مع شهرتهما مما يضفي على السند نكارة شديدة خصوصًا مع عدم الوقوف على حالهما من حيث الضبط والعدالة.

الحديث السابع:
عنْ أَبِي أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ قَالا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلا شِمَالا وَرَمَى بِبَصَرِهِ مَوْضِعَ سُجُودِهِ "
رواه عبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" [2/ 381] فقال:
حَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيثِ حَسَّانِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكُوفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الْعَلاءَ قَالَ سَمِعْتُ مَكْحُولا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ به.
وله علتان:
أولاهما: أنَّ هذا من منكرات هشام بن حسان وهو ممن يتفرد ويخطئ.
**قال عبد الله بعد سوقه الحديث حاكيا عن أبيه:
فَأَنْكَرَهُ جِدًّا وَقَالَ اضْرِبْ عَلَيْهِ.
وذكره العقيلي في ترجمته في "الضعفاء" وهكذا ابن عدي في "الكامل"، فالحديث من منكراته.
ثانيهما: عبد الملك الكوفي لم يتبين لي من هو، قال الشيخ مقبل-رحمه الله-:
(عبد الملك)
قال الدارقطني - رحمه الله - (ج 1 ص 218) : حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، ثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي، ثنا حسان بن إبراهيم الكرماني، ثنا عبد الملك.
له ذكر في ترجمة (حسان بن إبراهيم الكرماني) من " تهذيب الكمال " قال: عبد الملك رجل من أهل الكوفة. ا.هـ "تراجم رجال الدارقطني"[ص281]
فهو مجهول العين لا يُعرف.
فازداد نكارة وضعفًا.

وهذا آخر ما وجدته في هذا الباب ، فهي سبعة أحاديث تامة كلها بين باطل وتالف ومنكر وشاذ فأنّا لها أن تصح أو تتقوى، وقد قال النووي -رحمه الله- في المجموع" عن أحاديث الباب:
حديث ابن عباس هذا غريب لا أعرفه وروى البيهقى أحاديث من رواية أنس وغيره بمعناه وكلها ضعيفة ا.هـ [3/314]
وممن ضعف ما في الباب الشيخ حسن بن نور في كتاب كامل "إمعان النظر" إلا أنّه لم يتعرض لبعض الأحاديث، لطبقعة الكتاب كامل الفقهية، واكتفى-وفقه الله- بالإشارة باختصار إلى علة بعض الأحاديث الأخرى .

فلعل بهذا أخي القارئ يكون قد تبيّن لك ضعف أحاديث الباب ، وإن لم فباب النقاش مفتوح لكن بالحجة والبرهان لا بقول فلان وفلان والحمدلله والله تعالى أعلى وأعلم.


كتبه: أبوصهيب عاصم بن علي الأغبري

الهامش:
[1]وقد أشار محقق "الاعتبار" ص169 إلى أن ذكر (أبيه) ساقط من المخطوطتين. [وهي رسالة جامعية عن جامعة أم القرى دراسة: أحمد طنطاوي جوهري (رسالة ماجستير على الآلة الكاتبة).]
تنبيه: قد يتوهم بعضهم ويستدرك بحديث أم سلمة -رضي الله عنها- 1040 - قالت: " كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي، لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه، فتوفي أبو بكر، وكان عمر، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي، لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان ابن عفان، فكانت الفتنة، فتلفت الناس يمينا وشمالا ".
والحديث شديد الضعف ، وقد استنكر متنه الإمام الألباني-رحمه الله- في "الضعيفة" فانظره تحت الرقم المشار إليه، والله أعلم.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©