في تعريف التخريج وبيان أنواعه
معناه في اللغة:
قال ابن فارس: الخاء، والراء والجيم أصلان.
قال: وقد يمكن الجمع فيهما:
فالأول: النفاذ عن الشيء.
والثاني: اختلاف لونين(1).
‏ويبدو من خلال تتبع معاني المادة في المعاجم أن المعنى الأول هو الأكثر استعمالاً، فالخروج عن الشيء هو النفاذ عنه وتجاوزه، ومنه خراج الأرض وهو غلّتها .
‏ويبدو أنّ هذا المعنى هو الأقرب لما نحن فيه، فالتخريج مصدر للفعل خرّج المضعّف، وهو يفيد التعدية بأن لا يكون الخروج ذاتياً، بل من خارج عنه، ومثله أخرج الشيء واستخرجه فإنهما بمعنى استنبطه، وطلب إليه أن يخرج (2) .
‏ويقال أيضاً خرّج فلاناً في العلم أو الصناعة درّبه وعلمه، والمصدر تخريج (3).

معناه في الاصطلاح:
‏وقد استعمل لفظ (التخريج) في طائفة من العلوم، فأصبحت استعمالاته عندهم تعني مصطلحاً خاصاً، كما هو الشأن عند علماء الحديث، وعلماء الفقه والأصول، وسنذكر فيما يأتي معناه عندهم.

1 - معناه عند المحدثين.
أطلق المحدثون التخريج على ذِكر المؤلف الحديث بإسناده في كتاب كامله (4).
ومنه قولهم : هذا الحديث خرجه أو أخرجه فلان بمعنى واحد هو ما ذكرناه .
‏وذكر بعضهم أنّه عند المحدّثين (إيراد الحديث من طريق أو طرق أخر تشهد بصحته، ولا بد من موافقتها له لفظاً ومعنى) (5).
‏وحدّه بعضهم بأنه: عزو الحديث إلى مصدره أو مصادره من كتب السنة المشرفة، وتتبع طرقه وأسانيده وحال رجاله وبيان درجته قوّة وضعفاً (6).
‏وعلى هذا فالتخريج لا يقتصر على ذكر الأسانيد، بل لا بدّ من بيان أمر رجال الحديث وقوّة: أسانيده، والحكم عليه قوّة وضعفاً، وبيان صحته أو عدمها .
‏ولتخريج الأحاديث طرقي متعددة، وفوائد كثيرة، . لعل من أهمها جمع الطرق التي جاء الحديث منها، وجمع ألفاظ متن الحديث (7).
كما أطلق المحدثون التخريج على الإشارة إلى كتاب كاملة الساقط من المتن في الحواشي وهو المسمى اللحق، أو التنبيه إلى شرح مفصل أو غلط أو اختلاف رواية أو **** أو غير ذلك .
ولهم في بيان كيفية تخريج السقط ضوابط خاصّة.

2 - معناه عند الفقهاء والأصوليين:
وذا تأملنا استعمالات الفقهاء والأصوليين، وجدنا أن مصطلح التخريج يدور في كثر من نطاق، وأنهم لم يستعملوه بمعنى واحد، وان كان بين هذه المعاني تقارب وتلاحم، فمن تلك الاستعمالات:
أ - إطلاق التخريج على التوصّل إلى أصول الأئمة وقواعدهم التي بنوا عليها ما توصلوا إليه من أحكام، في المسائل الفقهية المنقولة عنهم، وذلك من خلال تتبّع تلك الفروع الفقهية واستقرائها استقراءً شاملاً يجعل المخرّج يطمئن إلى ما توصّل إليه، فيحكم بنسبة الأصل إلى ذلك الإمام.

ب - إطلاق التخريج على ردّ الخلافات الفقهية إلى القواعد الأصولية، على نمط ما في كتاب كامل "تخريج الفروع على الأصول" للزنجاني، أو "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" للاسنوي، او "القواعد والفوائد الأصولية والفقهية" لابن اللحام.
وهو بهذا المعنى يتصل اتصالاً واضحاً بالجدل وبأسباب اختلاف الفقهاء، إذ هو في حقيقته يتناول واحداً من تلك الأسباب، وهو الاختلاف في القواعد الأصولية، وما ينبني على ذلك الاختلاف من اختلاف في الفروع الفقهية، سواء كانت في إطار مذهب معين، أو في إطار المذاهب المختلفة، وقد يتسع هذا المجال فيشمل بن أسباب الاختلاف ما هن خلاف في الضوابط أو بعض القواعد الفقهية، كما هو الشأن في كتاب كامل "تأسيس النظر" المنسوب إلى أبي زيد الدبوسي. وهذا هو ما اصطلح عليه بـ : "تخريج الفروع على الأصول".

ج - وقد يكون التخريج - وهذا هو غالب استعمال الفقهاء - بمعنى الاستنباط المقيّد، أي بيان رأي الإمام في المسائل الجزئية التي لم يرد عنه فيها نص، عن طريق إلحاقها بما يشبهها من المسائل المروية عنه، أو بإدخالها تحت قاعدة من قواعده، والتخريج بهذا المعنى هو ما تكلم عنه الفقهاء والأصوليون في مباحث الاجتهاد والتقليد، وفي الكتب المتعلقة بأحكام الفتوى.

د - وقد يطلقون التخريج بمعنى التعليل، أو توجيه الآراء المنقولة عن الأئمة وبيان مآخذهم فيها، عن طريق استخراج واستنباط العلّة وإضافة الحكم إليها (8). بحسب اجتهاد المخرّج، وهو في حقيقته راجع إلى المعاني السابقة، لأن تلك المعاني لا يتحقّق أيّ منها دون التعليل والتوجيه، ومن هذا القبيل ما يسمى (تخريج المناط).

لكن الذي فهتمّ به من إطلاقات التخريج، هو ما يصلح أن يكون عنواناً لعلم مستقل، نسعى لتأصيله، وبيان مقوماته، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنّ التخريج يتنوع إلى الآتي:
- تخريج الأصول من الفروع.
- تخريج الفروع على الأصول.
- تخريج الفروع من الفروع

-----------------
(1) معجم مقاييس اللغة.
(
2) راجع: لسان العرب، والقاموس المحيط في مادة (خرج) باب الجيم فصل الخاء.
(
3) المعجم الوسيط (مادة خرج) ص 224.
(
4) قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث ص 219 لمحمد جمال الدين القاسمي.
(
5) القاموس الفقهي لغة واصطلاحا ص 114 لسعدي بن أبي حبيب.
(
6) تخريج أحاديث اللمع في أصول الفقه ص 10 لعبد الله بن محمد الصديق الغماري، نقله عنه صبحي السامرائي في مقدمته لكتاب كامل تخريج أحاديث مختصر المنهاج للحافظ العراقي. كما ورد بمقدمة تحقيق كتاب كامل الغماري المذكور. وبهذا المعنى للتخريج عرّفه د/ محمود الطحان، فقال في كتاب كامله "أصول التخريج ودراسة الأسانيد": (فو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصيلة التي أخربته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة).
(
7) طرق تخريج حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ص 14 للدكتور أبو محمد عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي .
(
8) شرح مفصل مختصر الروضة للطوفي 3/242

المصدر: (
التخريج عند الفقهاء والأصوليين - د/ يوسف بن عبد الوهاب الباحسين.)

(أم كريمة بنت الوردي)
------------------------------




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©