المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هارون الرشيد



walid
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 08:03 PM
التعريف به:
هو أمير المؤمنين هارون الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو محمد، ويقال: أبو جعفر، وأمه الخيزران أم ولد، بويع له بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي سنة أولى70هـ بعهد من أبيه المهدي..
روى الحديث عن أبيه وجده، وحدث عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"..
وقد غزا الصائفة في حياة أبيه مرارًا، وعقد الهدنة بين المسلمين والروم بعد محاصرته القسطنطينية، وقد لقي المسلمون من ذلك جهدًا جهيدًا وخوفًا شديدًا، وكان الصلح مع امرأة ليون وهي الملقبة "بأغسطة" على حمل كثير تبذله للمسلمين في كل عام، ففرح المسلمون بذلك، وكان هذا هو الذي حدا بأبيه إلى البيعة له بعد أخيه في سنة أولى66هـ، ثم لما أفضت إليه الخلافة في سنة أولى70هـ كان من أحسن الناس سيرة، وأكثرهم غزوًا وحجًا... (14)
ولهذا قال فيه أبو المعالي الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يرده فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر وفي أرض الترفه فوق كور
وما حز الثغور سواك خلق من المتخلفين على الأمور (15)
كان الرشيد يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق لدنيا إلا أن تعرض له عِلَّة، وكان يتصدق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم بعد زكاته، وكان إذا حجَّ حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحجَّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة... (16)
كان يحب التشبه بجده أبي جعفر المنصور إلا في العطاء، فإنه لم ير خليفة قبله كان أعطى منه للمال ثم المأمون من بعده، وكان لا يضيع عنده إحسان محسن، ولا يؤخر ذلك في أول ما يجب ثوابه، وكان يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النص ويقول: هو شيء لا نتيجة له وبالحري ألا يكون فيه ثواب..
وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن، فقال: لئن ظفرت به لأضربنَّ عنقه، كما قتل الرشيد رجلاً آخر قال بخلق القرآن، وحدثه أبو معاوية يومًا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بحديث احتجاج آدم وموسى، فقال عَمُّ الرشيد: أين التقيا يا أبا معاوية؟ فغضب الرشيد من ذلك غضبًا شديدًا، وقال: أتعترض على الحديث؟ عليَّ بالنطع (17) والسيف، فأحضر ذلك فقام الناس يشفعون فيه؛ فقال الرشيد: هذه زندقة ثم أمر بسجنه، وأقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا، فأقسم عمه بالأيمان المغلظة ما قال هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة بادرة مني، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه منها؛ فأطلقه... (18)
وقد قال له بعض أهل العلم يومًا: يا أمير المؤمنين انظر هؤلاء الذين يحبون أبا بكر وعمر، ويقدمونهما فأكرمهم بعز سلطانك، فقال الرشيد: أولست كذلك؟! أنا والله أحبهم، وأحب من يحبهم، وأعاقب من يبغضهما..
دخل عليه ابن السماك يومًا؛ فاستسقى الرشيد فأُتِيَ بقُلة فيها ماء مبرد، ثم قال لابن السماك: عظني، فقال: يا أمير المؤمنين !!
بكم كنت مشتريًا هذه الشربة لو مُنِعْتَها؟ فقال: نصف ملكي، فقال: اشرب هنيئًا، فلما شرب قال: أرأيت لو منعت خروجها من بدنك بكم كنت تشتري ذلك؟ قال: بنصف ملكي الآخر، فقال: إن ملكًا قيمة نصفه شربة ماء، وقيمة نصفه الآخر بولة، لخليق أن لا يُتَنَافس فيه.. فبكى هارون الرشيد.. (19)
كان الرشيد يحب المديح ولا سيما من شاعر فصيح ويشتريه بالثمن الغالي، فقد ذكر أن مروان بن أبي حفصة دخل عليه ذات يوم فأنشده شعره الذي يقول فيه:
وسُدت بهارون الثغور فأحكمت به من أمور المسـلمين المرائـــرُ
وما انفك معقودًا بنصر لـواؤه له عسكر عنه تُشَظَّى العسـاكـرُ
وكل ملوك الروم أعطـاه جزية على الرغم قسرًا عن يدٍ وهو صاغرُ
إلى آخر الأبيات، فأعطاه خمسة آلاف دينار، وكساه خلعته، وأمر له بعشرة من رقيق الروم، وحمله على برذون من خاص مراكبه. (20)
تعظيمه لأهل العلم:
لقد كان الرشيد معظمًا لأهل العلم محبًا لهم، فقد روى أبو معاوية الضرير قائلاً: ما ذكرتُ عنده ـ أي الرشيد ـ حديثًا إلا قال صلى الله عليه وسلم على سيدي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبلَّ الثرى، وأكلت عنده يومًا، ثم قمت لأغسل يدي فصبَّ علي الماء وأنا لا أراه، ثم قال: يا أبا معاوية أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا.. قال: يصب عليك أمير المؤمنين قال أبو معاوية: فدعوت له، فقال: إنما أردت تعظيم العلم. (21)
الأوضاع الداخلية في عهد الرشيد:
العلاقة مع الطالبيين:
أراد الرشيد في مستهل حكمه أن يستميل الطالبيين عن طريق الرفق بهم بعد سياسة الهادي العنيفة تجاههم، فمال إلى التساهل، والتعاطف معهم، وبذل لهم الأمان، ورفع الحَجْر عمَّن كان منهم في بغداد، وأعادهم إلى المدينة باستثناء العباس بن الحسن بن عبد الله، وعزل والي المدينة الذي اضطهدهم. (22)
لكن الطالبيين لم يُعدِّلوا اعتقادهم الراسخ بأحقيتهم بالخلافة ولم يتوقفوا عن النضال في سبيل الوصول إليها، ومن أجل ذلك لم يدم الصفاء بين الجانبين العباسي والعلوي، وعاد الصراع عنيفًا بينهما..
وكانت موقعة "فخ" بعيدة الأثر، فقد نجا منها اثنان من زعماء الطالبيين هما: إدريس بن عبد الله بن الحسن، وقد ذهب إلى إفريقية، وأخوه يحيى الذي يمم وجهه شطر بلاد الديلم في المشرق..
أما إدريس فقد استقر في إقليم طنجة بالمغرب الأقصى، وحظي بالتفاف البربر حوله، وأقام لنفسه دولة مستقلة هي دولة الأدارسة، وهي أول دولة طالبية تنفصل عن جسم الخلافة العباسية..
لقد هددت هذه الدولة النفوذ العباسي في شمالي إفريقية؛ لذلك قرر الرشيد القضاء عليها، ولكنه تردد في إرسال جيش بفعل بُعْدِ المسافة، وخشيته من امتداد نفوذ إدريس إلى مصر وبلاد الشام إن هو تغلب على الجيش العباسي، وبالتالي القضاء على دولة الخلافة العباسية..
فلجأ عندئذ إلى الحيلة ليتخلص من إدريس، ووقع اختياره على رجل مشهور بالدهاء هو سليمان بن جرير المعروف بالشماخ، فاستخدمه لاغتياله، وفعلاً تمكن هذا الرجل من قتل إدريس بالسم في عام 177هـ..
ولكن موته لم يقضِ على دولة الأدارسة فقد كان متزوج من أمة بربرية، حملت منه فانتظر أتباعه حتى وضعت، وكان مولودًا ذكرًا فأسموه إدريس، ولما بلغ الحادية عشرة من عمره ولاه البربر أمورهم وبايعوه بالخلافة، وأصبح المؤسس الحقيقي لدولة الأدارسة في المغرب..
وعندما ازداد خطر هذه الدولة أقطع الرشيد إبراهيم بن الأغلب ولاية إفريقية ليقف في وجهها. (23)
وأما يحيى فقد اشتدت شوكته في بلاد الديلم، وقوي أمره بمن التف حوله من الأتباع، ثم أعلن خروجه في عام 176هـ (24) وبذلك هدد يحيى دولة الخلافة العباسية وأقلق بال الرشيد، ومما أعطى حركته قوة، بُعْدَ المنطقة التي خرج فيها عن بغداد، ومناعتها الطبيعية..
واستقر رأي الخليفة على القضاء على حركة يحيى، فندب الفضل بن يحيى البرمكي لهذه الغاية الذي نجح في استمالته، بعد أن انفضَّ أتباعه من حوله، فمال إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانًا بخطه على نسخة يبعث بها إليه، فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد؛ فسره وعظم موقعه عنده وكتب أمانًا ليحيى بن عبد الله أشهد عليه الفقهاء والقضاة وجِلَّة بني هاشم ومشايخهم، واستقبله الرشيد في بغداد.. (25)
ويبدو أن الخليفة لم يطمئن إلى نوايا يحيى، وأدت الحاشية دورًا في إفساد العلاقة بينهما، فوضعه تحت رقابة الفضل بن يحيى وقد أثر يحيى عليه حتى أطلقه بدون علم الخليفة وذهب إلى الحجاز، ثم بلغ الرشيد أن يحيى يدعو إلى نفسه في الحجاز، فوافق ذلك ما كان في نفسه، فقبض عليه وسجنه ثم قتله..
وكان الرشيد يراقب تحركات الطالبيين في الحجاز، فعلم بالتفاف الناس حول الإمام موسى الكاظم بن جعفر، وأنهم يحملون إليه خُمْسَ أموالهم، وهذا يعني أنهم يعتقدون بإمامته، فقبض عليه وسجنه، وتوفي عام 183هـ، والراجح أنه قُتِل..
حركة الخوارج:
لم يكن الاضطراب الذي ساد بعض أجزاء دولة الخلافة العباسية ناشئًا عن حركات الطالبيين وحدهم، بل وُجِدَ فريقٌ من المسلمين أنكر على الخلفاء العباسيين استبدادهم، وخروجهم على الأحكام الشرعية، وهؤلاء هم الخوارج الذين نشطوا في عهد الرشيد في منطقة الجزيرة في عام 178هـ، بقيادة طريف الشاري وبسطوا هيمنة فعلية على أرمينيا وأذربيجان، وهددوا السواد في العراق على نهر ديالي، ووصلوا إلى حلوان..
اهتم الرشيد بأمر هذه الجماعة فأرسل قوة عسكرية في عام 179هـ، بقيادة يزيد بن مزيد الشيباني اصطدمت بها في حديثة الفرات على بعد فراسخ من الأنبار، وقضت عليها وعلى زعيمها. (26)
الاضطرابات في أفريقية:
سادت الاضطرابات في أإفريقية اعتبارًا من عام 171هـ بفعل خروج الخوارج وقادة الجند والبربر، فأرسل الرشيد هرثمة بن أعيَن واليًا على إفريقية، وأمره بقمع الانتفاضات وتوطيد الأمن، فنجح في مهمته، ودخل القيروان وأمَّن الناس..
ويبدو أن الخلافات بين الفئات الإسلامية المتعددة كانت واسعة فتجددت القلاقل، ولم يتمكن هرثمة من رأب الصدع، فعزله الخليفة بناء على طلبه عام 180هـ، كما لم يتمكن الولاة الذين جاؤوا من بعده من السيطرة على الموقف فاستغل إبراهيم بن الأغلب عامل إقليم الزاب (في الجزائر اليوم) هذه الأوضاع القلقة، وطلب من الخليفة توليته على إفريقية، ووعده بتهدئة الوضع..
استجاب الخليفة لطلب عامله وعهد إليه بالولاية على أفريقية عام 184هـ، ونجح إبراهيم في تحقيق الاستقرار متبعًا في ذلك سياسة معتدلة، وازدهرت إفريقية في عهده، وشهدت حركة عمرانية واسعة ونشاطًا اقتصاديًا كبيرًا، وقد مهَّد إبراهيم هذا لقيام دولة الأغالبة التي ما لبثت أن استقلت عن الإدارة المركزية في بغداد واتخذت القيروان حاضرة لها.. (27)
الاضطرابات في المشرق:
أطلق الرشيد يد عماله على الأقاليم ولم يتهمهم في تصرفاتهم فاشتاط بعضهم،
وحجَّ الرشيد في عام (186هـ/ 802م) واصطحب معه ولديه لتنفيذ ما اتفق عليه.. فأخذ العهد عليهما بألا يتدخلا في شؤون بعضهما البعض، وفي شؤون أخيهما المؤتمن.. وعلَّق نسخة من العهد في فناء الكعبة ليزيد في قدسيته وليؤكد تنفيذه..
خرج الرشيد من بغداد في عام (193هـ/ 808م) قاصدًا خراسان لوضع حَدٍّ لثورة رافع بن الليث، واستخلف ابنه محمد الأمين على بغداد، واصطحب معه ابنه عبد الله المأمون، وكان الرشيد يشكو من عِلَّة في بطنه ويرتدي حزامًا من حرير لتسكين الألم، ولما وصل إلى طوس في شهر صفر، اشتدت عليه العلة حتى عجز عن القيام..
وتوفي ليلة السبت لثلاث خلون من شهر جمُادَى الآخرة 193هـ/ شهر آذار عام 809م..





https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى