المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قيـــــــل :" إن الحقيقة نسبيةَ" أثبت صحة هذه المقولة.



romaissa
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 08:18 AM
قيـــــــل :" إن الحقيقة نسبيةَ" أثبت صحة هذه المقولة.
مقــــــــدمة:
عادة ما ترتبط المعرفة بالإنسان ، لأنه هو الوحيد الذي يملك استعدادات فطرية تمكنه من تحليلها ، و أقصى ما يطمح إليه هو إدراك الحقيقة ، والتي تعرف على أنها المعرفة الشاملة و الكاملة بالواقع ، ولما كانت مرادفة لما هو ثابت و مستقر أصبحت تتصف بأنها مطلقة ،هذا الاعتقاد كان سائدا من قبل ولقرون طويلة إلى غاية القرن العشرين أين أصبح الحديث عن مطلقية الحقيقة يبدو غير منطقي ولا واقعي ،حيث ظهرت أراء يعتقد أصحابها أن الحقيقة نسبية وليست مطلقة و لا وجود لشيء نهائي يجب الوقوف عنده مادام العالم في تغير مستمر وهذا ما يجعلنا نطرح التساؤل التالي : كيف يمكن لنا إثبات صحة هذه المقولة ؟ بعبارة أخرى إلى أي مدى يمكن اعتبار الحقيقة نسبية ؟
محاولة حــــل المشكلة
عرض منطق الأطروحة
لقد كان لانتشار مختلف النظريات العلمية و الفلسفية في مختلف المجالات المعرفية تأثيرا في جعل الحقائق العلمية تقريبية خاصة مع ظهور النسبية العددية للفيزيائي "اينشتاين" ومن ثمة تبدد الرأي الذي أكد على وجود حقيقة مطلقة ، فاتحا المجال لظهور رأي مخالف يحكم على الحقيقة بالنسبية ن وبدلك تجاوز اليقين و المطلقية . ومن دعاة هذا الاتجاه نجد أنصار العلوم التجريبية العلمية الذين يؤكدون على نسبية الحقيقة فلا وجود لشيء ثابت حسب نظرية الفيزيائي هايزنبيرغ في علاقات الارتياب التي تؤكد استحالة تحديد موقع الإلكترون وسرعته في آن واحد ، والتي طرحت مشكلة الحتمية في العلم ، وبما أن التوقع أصبح مستحيلا في المادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجية الذرية فالتصور الكلاسيكي للحتمية ينهار تماما ليحل محله الاحتمال .و الصورة نفسها التي ميزت مجال المادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجية تنطبق على المادة الرياضيات باعتبار أنها كانت تجسد مثالا لليقين و الدقة و المطلقية ، حيث نجد هدا اليقين في عصرنا أصبح نسبي. و مع ظهور الهندسة اللااقليدية مع لوباتشفسكي و ريمان الالماني – فكانت المسلمة التي وضعها اقليدس و التي أثارت الكثير من الشكوك تلك المعروفة بمسلمة التوازي و تصاغ عادة كما يلي : من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم مستقيم واحد فقط موازي للأول ، و على أساس هذه المسلمة يبرهن اقليدس على عدة قضايا في مجال الهندسة و منها على الخصوص القضية القائلة : أن مجموع زوايا المثلث تساوي180 درجة .فكانت محاولة– جريئة قائمة أساسا على البرهان بالخلق حيث حدد مسلمات اقليدس التي تجسد عكس القضية لإثبات نقيض القضية وانطلاقا من هدا الافتراض توصل إلى عدة نظريات هندسية من دون أن يقع في التناقض ، ونفس الشئ مع ريمان الذي افترض انه من نقطة خارج مستقيم لا يمر أي موازي له ، و هدا ما يؤكد أن الحقيقة في المادة الرياضيات المجردة لم تبق علم دقيق و مطلق و إنما أصبح يتميز بالنسبية والاحتمال .في بداية القرن 20 م. استغل أصحاب النظرة البراغماتية فكرة النسبية العلمية لبناء مذهبهم متخذين المنفعة مقياسا للحقيقة ، وأصبحت حقيقة الشئ تكمن في كل ماهو نفعي عملي و مفيد في تغيير الواقع و الفكر معا في هدا يقول وليام جيمس : {{ يقوم الصدق بكل بساط 2014ة في ما هو مفيد لفكرنا و صائب في ما هو مفيد لسلوكنا }} هكذا فإن الذاتية متناقضة فإدا كنت تعتقد أن أراء غيرك صادقة نسبيا فكانت ترى رأيك صادقا صدقا مطلقا مثلما اعتقدت أن الأرض كروية و اعتقد غيرك أنها مسطحة يقول جيمس :{{ أن الناس يعتقدون في القرون الماضية أن الأرض مسطحة و نحن نعتقد اليوم أنها مستديرة ، إذن الحقيقة تغيرت و أنت ربما تقتنع بهذا القول و لا يقتنع غيرك }} و بهذا فالحقيقة عند جيمس ليست غاية في ذاتها بل هي مجرد وسيلة لإشباع حاجيات حيوية أخرى ، كما أن استمرار مادة التاريخ الفكر البشري يؤكد على أن الحقيقة لم تستطع أن تتواجد في معزل عن اللاحقيقة و نقصد بدلك نقائض الحقيقة و أضدادها ، فلكي يكون العلم مطلقا – نهائيا – لا بد أن يكون تاما إلا أن هدا لن يتحقق . يقول بيرنارد {{ يجب أن يكون حقيقة كقناعة بأننا نملك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثير أو قليلا ، وان النظريات التي نمتلكها هي ابعد أن تكون حقيقة مطلقة }} إنها تمثل حقائق جزئية مؤقتة و هدا يخالف الموقف الفلسفي المثالي الذي يعتقد الوصول إلى الحقيقة المطلقة ، وفي هدا الصدد يقول بيرس : {{ إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج عن هدا الموضوع من آثار علمية لا أكثر {{ و معنى هدا القول : أن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج المترتبة عنها على ارض الواقع .و في الفلسفة الوجودية نجد الفرنسي جون بول سارتر الذي يرى أن مجال الحقيقة الأول هو الإنسان المشخص في وجوده الحسي و ليس الوجود المجرد كما في الفلسفات القديمة ، وحقيقة الإنسان تكمن في انجاز ماهيته لأنه في بداية أمره لا يملك ماهية فهو محكوم عليه بأن يختار مصيره ، و قد عبر سارتر عن فكرته هده بقوله {{ سأكون عندما لا أكون أي سأكون ما سأكون قد أنجزته إلى حلول الحلول }} و يقول أيضا :{{ فانا افرغ ذاتي و كياني بأكملها في العمل و ما افعله }}
إذن الحقيقة حقائق وان المطلقية منها مقيدة بالمذاهب و التصورات .


تدعيم الأطروحة بحجج وبراهين شخصية :
يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة بحجج وبراهين منها أن الحقيقة و بالنظر إلى تطور التفكير و خاصة التفكير العلمي ، فإننا نجد أن النسبية خاصية أساسية من خصائصه ومن الأزمات التي عاشتها المعارف المتوصل إليها من طرف العلماء قديما وحديثا و تغيرها إلا دليل على دلك ، ومن جهة أخرى بماذا نفسر تحول النظام الثابت الذي تخضع له الظواهر الطبيعية ، حيث أصبح في العصر الحديث و المقام ينطبق على بعض الظواهر فقط لهدا فإن الحقيقة نسبية و ليس بإمكان الإنسان أن يعتنق المطلق باستعدادات محدودة ، ولذلك فان الإيمان بوجود حقيقة مطلقة يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي باعتبارها مرتبطة بالإدراك العقلي ، هدا الأخير لا يخلو من الاعتبارات الشخصية ، حيث تتدخل الميول و الرغبات و الآراء الشخصية لكي تجعل الفكرة صادقة ، بدليل أن قضية حركة دوران الأرض حول الشمس التي هي قضية واضحة بالنسبة إلينا اليوم ، في حين أن إثباتها كانت فكرة غير صحيحة لدى خصوم غاليلي، لهدا فالشعور بالبداهة و الوضوح و الإدراك العقلي لمختلف الموضوعات لا يمكن أن يكون برهانا مطلقا على وجود حقيقة مطلقة .
عرض منــــــطق خصـــــوم الأطروحة ونــــقده
يرى فريق من الفلاسفة أن الحقيقة المطلقة ممكنة طالما أن الإنسان يملك عقلا مفكرا ، و هنا نجد أفلاطون قديما يميز بين عالمين ، عالم المحسوسان و عالم المثل ، فالأول يمثل العالم المادي المحسوس المتغير ، و موجداته هي بمثابة ظلال و أشباح لعالم المثل ، وهدا الأخير يمتاز بكونه عالم معقول و ثابت كامل ، وفيه توجد النماذج العليا لكل موجداته ، كما انه خاص بالموهوبين و لا تدركه الأبصار و فيه يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل كالخير و الجمال المطلقين و الدائرة الكاملة ، لهدا كانت الحقيقة المطلقة مجسدة في الفكر الذي ينتقل بنا من الأدنى إلى الأعلى أو من المحسوس إلى المجرد ، و في السياق نفسه نجد أرسطو يؤكد على صفة المطلقية بالنسبة للحقيقة هذا بالنسبة للنظرة الكلاسيكية لمشكلة الحقيقة أما إذا نظرنا إلى صفة المطلقية للحقيقة في الفلسفة الحديثة فإننا نجد "ديكارت" لا يعترف بالمعرفة الحسية وجعل من الشك الطريق الأساسي لبلوغ الحقيقة و وسيلته في ذلك هي العقل نفسه فالحقيقة عنده هي مالا ينتهي إليه الشك وعلى هذا الأساس لا يكون الحقيقي إلا ما هو واضح و بديهي ومتميز لكن القول بمطلقية الحقيقة أمر مبالغ فيه فالعلوم الحديثة أثبتت أنه لاوجود لمعارف مطلقة فكل شئ نسبي ومحدود وحتى المادة الرياضيات التي كانت تتحدث بلغة أكثر يقينية أصبحت اليوم تتحدث بلغة أكثر تواضعا وهي لغة الاحتمالات ونفس الشئ بالنسبة للمادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجية ومختلف العلوم الأخرى
حل المشكلة التأكــيد على مشروعية الدفاع:
وفي الأخير نستنتج مما سبق عرضه من أراء مختلفة أن الأطروحة القائلة بنسبية الحقيقة مقولة صحيحة يمكن تبنيها والدفاع عنها والأخذ برأي مناصريها و هذا لعدة اسباب منها أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فإن نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه ، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الصحيح هو العلم الثابت و المكتمل ، وفي هدا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية و هي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية و فكرية ورغم ذلك فإن الإنسان يطمح دائما إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات .





من اقتراح أستاذ مادة الفلسفة : محمدي عبد القادر



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى