المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ساعدوني لمرة فقط ربي ينجحكم



linnou
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 08:04 AM
شحال عليها هاد المقالة

إن الإنسان اجتماعي بطبعه فهو ينزع نحو حياة الجماعة والتواصل مع الآخرين من الناس وهذا التواصل كي يكون إيجابيا وفعالا لبدله من قوانين وقيم تضبطه وتنظمه بحيث تحدد ما على الفرد أن يلتزم به من سلوكيات تمثل واجباته بمقابل ما يحق له أن يطالب به من امتيازات تشكل جملة حقوقه ومن هنا تتبدى ثنائية الحق والواجب كعماد للقانون الاجتماعي وقد شكل تنظيم العلاقة بين الحق والواجب وقضية أسبقيتهما في الوجود جدل وتناقض بين الفلاسفة حيث رأى البعض أنه يجب تقديم الحقوق قبل المطالبة بالواجبات بينما رأى البعض الآخر أنه لابد من أداء الواجبات ثم المطالبة بالحقوق وأمام هذا التناقض نتساءل هل تجسيد العدالة مبني على تقديم الحق على الواجب أم على أسبقية الواجب على الحق؟
يرى فلاسفة القانون الطبيعي أن العدالة تقتضي أن يتقدم الحق على الواجب ذلك أن الحق الطبيعي كالحياة والحرية سابقا ة عن القوانين الوضعية المشرعة للواجبات.
فالحق الطبيعي يمثل مجموع الحقوق اللازمة عن الإنسان فهي تتعلق به بمجرد ولادته ووجوده في الحياة كالحق في الحياة والحق في المعتقد وحرية التفكير فهي مرتبطة بالإنسان في مجتمعه الطبيعي بينما القوانين الوضعية التي تفرض رائع على الفرد واجبات متعلقة بنشأة الدولة والمجتمع السياسي وعليه ولما كان الفرد سابق في الوجود عن الدولة وكانت الحقوق الطبيعية أسبق من القوانين الوضعية المقررة للواجبات لزم أن يكون الحق أسبق من الواجب وهو ما يعني أن الإنسان يكسب أولا حقوقه كمعطيات طبيعية وكرأس مال أولي ثم يلتزم بعدها بأداء واجباته وهو ما أكده وولف لما قال في كتاب كامله "القانون الطبيعي ""كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا يعني مطلقا قانونا طبيعيا بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون" ويعتبر موقف فلاسفة القانون الطبيعي المنطلق الذي تأسست عليه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي تولي اهتمام كبيرا للحقوق على حساب الواجبات وهو ما تتضمنه المادة الثالثة من إعلان حقوق المواطن الصادر عن الثورة المادة الفرنسية التي تقول"هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا يمكن أن تسقط عنه " وهو ما تبناه أيضا أول إعلان أمريكي للحقوق حيث جاء فيه "جميع الناس قد خلقوا أحرار متساوين ومستقلين ولهم حقوق موروثة لا يجوز لهم عند دخولهم المجتمع أن يتفقوا على حرمان خلفاءهم منها " وعليه فبما أن تلك الحقوق موروثة وفطرية فلا شك أنها سابقة عن الواجبات لأنها مكتسبة من القانون الوضعي كما أن الدولة حسب فلاسفة القانون الطبيعي عليها قبل أن تحاسب الأفراد على التزاماتهم وواجباتهم أن تحاسب نفسها عما قدمته لهم من حقوق فمن غير المعقول أن يحرم الإنسان من أدنى حقوقه ثم يأتي من كان سببا في حرمانه منها ليطلب منه أداء وجباته ومنه فالواجب يكسب مشروعيته فقط عندما يكون مسبوقا بالحق.
لكن التأسيس للعدالة بإقرار الحقوق أولا والتغافل عن الواجبات وتأخيرها يؤدي بالضرورة إلى الإخلال بتوازن المجتمع وتفكك علاقاته لأن ذلك يفتح المجال أمام الأنانية ذلك أن الحق يطلب للنفس بينما الواجب يؤدى للغير وهم مما يدعم التماسك الاجتماعي بالإضافة إلى هذا فإن عدم القيام بالواجب وتأخيره إلى غاية الحصول على الحق ينشأ عنه كسل وإهمال لأداء المهام اللازمة هو ما يعني من وجهة أخرى ضياع حقوق الخير لأن واجباتنا تمثل حقوق الغير ومنه فإهمالنا لواجباتنا هو إهمال لحقوق غيرنا.
وخلافا للطرح السالف ترى الفلسفة العقلية بزعامة إيمانوال كانط أن إحلال مبدأ العدالة الإجتماعية يقتض تقديم أداء الواجبات عن المطالبة بالحقوق وتوافق هذا الموقف الفلسفة الوضعية بزعامة أوغيست كونت.
حيث نجد كانط يؤسس الأخلاق على فكرة الواجب لذاته وهو ما يبرر أسبقية الواجب على الحق فالفعل الأخلاقي عند كانط هو القيام بالواجب دون إنتضار أي مقابل نفعي أو حقوق من جراء أداء الواجب حيث يقول"إن الفعل الذي يتم يقتضى لواجب إنما يستمد قيمته الخلقية لا من الهدف الذي يلزم تحقيقه بل من القاعدة التي تقرر تبعا لها" ولهذا فالواجب عنده غاية في ذاته والإرادة الخيرة ليست قيمتها في نتائجها أو فيما تحرزه من مصالح وحقوق بل في ذاتها ومن هنا يستبعد كانط تماما فكرة الحق ويبقي على فكرة الواجب فقط هذا وترى المدرسة الوضعية أن الواجب أساس بناء المجتمعات وتماسكها لأنه يتجاوز حدود خدمة المصالح الذاتية الضيقة إلى خدمة الآخرين ومن هنا يدعو أوغيست كونت إلى استبدال فكرة الحق بفكرة الواجب فكل فرد في المجتمع عليه واجبات يؤديها وليس للإنسان أي حق بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة لأن مجرد مطالبة الفرد بحق ما هو تنافي مع الأخلاق لأن الحق يفرض رائع مبدأ الفردية المطلق بينما الأخلاق في حقيقتها ذات طابع جماعي فربان السفينة في حالة غرق سفينته إذا تعامل بدافع الواجب فإنه يبقى فيها حتى يضمن نقل جميع من فيها إلى قوارب النجاة وقد يكلفه هذا حياته لكنه إذا تعامل بمبدأ الحق ينجي نفسه أولا ويترك السفينة تغرق بمن فيها ولاشك هنا أن الحالة الأولى هي الأكثر انسجاما مع مقتضيات الفعل الأخلاقي كما أن أي حق يحصله الفرد هو نتيجة للواجبات التي يؤديها غيره ومن ثم فأي حق مسبوق ضرورة بواجب ما وهو ما يبرر أولوية الواجب على الحق كما نجد المفكر الجزائري المعاصر مالك بن نبي ينتقد مقولة "الحقوق تأخذ ولا تعطى " حيث يقول "الحق ليس هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب بل هو نتيجة حتمية للقيام بالواجب" وبهذا أعطى الأسبقية للواجب على الحق.
لكن بناء العدالة على أساس أسبقية الواجب وإلغاء فكرة الحق كما دعت إلى ذلك الفلسفة الوضعية قد يكون ذريعة لتبرير الظلم والاستغلال كما أن هذا منافي للطبيعة البشرية لأن الواجب الذي يؤديه الفرد ينتظر منه دوما مقابلا عكس ما ادعاه كانط من أن الواجب غاية في ذاته بالإضافة إلى هذا فلا يوجد في مادة التاريخ التشريعات قانونا يبنى على فرض رائع الواجبات على الأفراد دون أن يقر لهم حقوق ولهذا فلا يمكن واقعيا تقبل عدالة تغيب فيها حقوق الناس.
إن العدالة الحقيقية لا تبنى على الحقوق لوحدها ولا على أساس الواجبات لوحدها بل إنها تقوم على فكرة التوازن بين الحق والواجب فعدم قيام الفرد بواجبه لا يتيح له المطالبة بحقوقه ومنه فلا يسمح لمن لا يؤدي بواجباته أن يحصل على حقوقه كما أنه من جهة أخرى لا يمكن مطالبة أي كان بواجباته إذا لم تمنح له حقوقه ومن هنا يبدو الارتباط والتلازم بين فكرتي الحق والواجب.
ومما سبق من تحليل نستنتج أن ثنائية الحق والواجب وتنظيم العلاقة بينهما من أكثر القضايا الفلسفية حساسية وذلك لارتباطها المباشر بتأسيس العدالة الاجتماعية وقوانينها وتبدو فكرة الموازنة بين الحق والواجب من الخيارات الأكثر فعالية وإيجابية في سبيل إقرار مبدأ العدالة القائم على فكرة التساوي في الحقوق والواجبات.



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى