المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة معايير الحقيقة .........موسعة و رائعة



salima
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 08:01 AM
مقياس الحقيقة هل هو الوضوح و البداهة أم النفع و النجاح؟



جدلية



المقدمة :

تعتبر المعرفة خاصية انسانية لأن الانسان هو الكائن الوحيد الدي يملك استعدادت فطرية تؤهله لاكتشافها و تحصيلها ، ولعل اقصى ما يطمح اليه الانسان هو اعتناق الحقيقة التي تكشف له عن ماهية الاشياء و الموجودات المحيطة به ، باختلاف طبيعتها الفكرية و المادة الحسوسة
و نظرا لما تحمله الحقيقة من قيمة و وزن توشك ان تكون ابرز مشكلة فلسفية استقطبت اهتمام الفلاسفة مند القرن السابع عشر الى يومنا هدا ، وهدا الاهتمام دفع بهم الى وضع تعاريف عدة لها حسب التصورات الفلسفية و البيئات الثقافية
فالحقيقة كمصطلح يطلق على الماهية و الدات ، فحقيقة الشيء ماهيته ، كما انها تعني مطابقة التصور للوقائع ، او مطابقة النتائج مع المقدمات ، وهدا يعني ان الحقيقة اصاف مختلفة و لهدا تباينت اراء الفلاسفة حول المعايير التي يمكن ان تقاس بها الحقيقة ، فهناك من يرى ان المعيار الامثل للحقيقة هو الوضوح العقلي لانه مقياسا دقيقا وواضحا ، في حين يعتقد البعض الاخر ان معيار الحقيقة هو النفع او النجاح .
ولدلك يحسن ان نطرح القضية على الشكل التالي : هل الحقيقة تقاس باعتبار الوضوح أم باعتبار النفع ؟


الموقف الاول:

يرى فلاسفة العقليون من امثال افلاطون و سبينوزا ان مقياس الحقيقة هو الوضوح و البداهة .لأن العقل يعتمد على مبادئ أولية فطرية تمكنه من استنتاج و هده المبادئ تتمثل في مبدأ الهوية و عدم التناقض و الثابت المرفوع ، خاصة ادا كانت المعرفة تحمل تناقضات لا يقبلها العقل لأنها لا تكون في هده الحالة واضحة
و هنا نجد افلاطون قديما يميز بين عالمين ، عالم المحسوسات و عالم المثل ، فالاول يمثل العالم المادي المحسوس المتغير ، و موجوداته هي بمثابة ظلال و اشباح لعالم المثل ، وهدا الاخير يمتاز بكونه عالم معقول و ثابت كامل ، وفيه توجد النمادج العليا لكل موجوداته ، كما انه خاص بالموهوبين و لا تدركه الابصار و فيه يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل كالخير و الجمال المطلقين و الدائرة الكاملة ، لهدا كانت الحقيقة المطلقة مجسدة في الفكر الدي ينتقل بنا من الادنى الى الاعلى او من المحسوس الى المجرد ، وقد جاء افلاطون بنظرية المثل لأن المحسوسات تختلف من صفاتها و لدلك فليس هناك صفة داتية مشتركة ، فالهندسة مثلا ليست هي عالم مسح الاراضي و لكن هي النظر في الاشكال داتها ، وكدلك عالم الحساب ليس هو علم الجزئيات كما يفعل التاجر بل هو عالم الاعداد هادفا الى الوصول الى درجة العقلانية التامة و عليه اصبحت المثل عند افلاطون تحدد المعيار الدي يجب ان يسير عليه الفرد ، هي عامة و مشتركة لدى الجميع ، معقولة لا حسية ، تطبق في كل زمان و مكان لأنها لا تتأثر بالظروف و التجربة ، وهدا دليل على ان الحقيقة لا توجد في الواقع المحسوس و انما في العقل .
هدا بالنسبة للنظرة الكلاسيكية لمشكلة الحقيقة
اما اذا نظرنا الى صفة المطلقية للحقيقة في الفلسفة الحدثية فاننا نجد &quot;ديكارت&quot; لا يعترف بالمعرفة الحسية وجعل من الشك الطريق الاساسي لبلوغ الحقيقة و وسيلة في ذلك هي العقل نفسه فالحقيقة عنده هي مالا ينتهي اليه الشك وعلى هذا الاساس لا يكون الحقيقي الا ما هو واضح و بديهي ومتميز او بتعبير اخر ان معايير الحقيقة تتخلص في البداهة و الوضوح ومن هذا المنطلق نستطيع ان نفهم الكوجيتو الديكارتي انا افكر اذن انا موجود فخاصة التفكير هي حقيقة الوجود البشري حسب ديكارت فاذا توقف الانسان عن التفكير توقف عن الوجود ولهذا نجده يؤكد على ان الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقة وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيئ ويتجلى هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية و واضحة بذاتها كقولنا اكبر اكبر من الجزء وهو القائل:<< ان الاشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح و التمييز هي صحيحة كلها >>.
اما بالنسبة &quot;لسيتوزا&quot; فهو يرى انه ليس هناك معيار الحسية خارج عن الحقيقة&quot; فهل يمكن ان يكون هناك شيئا كثر وضوحا و يقينا من الفكرة الصادقة يصلح ان يكون معيارا للحقيقة &quot; فكما ان النور يكشف عن نفسه و عن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب .إدن فالحقيقة تقاس بمدى وضوحها في العقل .


النقد :

غير ان ارجاع الحقيقة كلها الى الوضوح يجعلنا نسلم معيار داتي للحقيقة ، فقد نحس بأننا على صواب في احكامنا على اساس البداهة و الوضوح ، ولكن قد يحدث ان يقف احدنا بعد دلك على خطئه ، وقد يحدث لأحدنا ان يرى بديهيا ما يتوافق مع ترتيبه و ميول اتجاهاته الفكرية ، و قد يحدث ان يرى بديهيا أو واضحا مالا يتفق و ارائه ، ان الوضوح في هده الحادثة ليس هو محك الصواب ، أضف الى دلك ان الفكر الرياضي يعتبر قمة الوضوح العقلي .
تمرد على مبدأ الهوية و اثبت في منطق اللوجستيك ان لا توجد حقائق ثابتة وواضحة للعقل ، فهو يطلب البرهنة على كل القضايا حتى تلك التي تبدوا بديهية مثل : الكل اكبر من الجزء ، لم تعد بديهية بل قضية غامضة يطلب العقل اقامة البرهان عليها ، وثم اثبات ان الكل يساوي او اقل من الجزء ، لدا الغى فكرة الوضوح العقلي .


الموقف 2 :

و هده الانتقادات تساهم في ظهور رأ ي مخالف ينظر الى معايير الحقيقة نظرة واقعية ، أي ان الحكم يكون صادقا متى دلت التجربة على انه مفيد نظريا و عمليا و بدلك تعتبر المنفعة هي المحك الوحيد لتمييز صدق الاحكام من بطلانها .
و يمثل هده الاطروحة اقطاب الفلسفة البراغماتية التي تزعمها بيرس . وليام جيمس و فرديناند شلر و الكل يقف على ان كل مسلمة او فكرة دريعة لتحقيق غايات عملية تعود بالنفع على لانسان و لايهم ان كانت حسية ام عقلية .نسبية ام عملية المهم ما ينتج عنها من منافع و دلك تماما مقياس الحقيقة عند البراغماتية ، ولفظ البراغماتية يوناني الاصل يعني العمل
كتب بيرس احد اقطاب البراغماتية يقول : << ان الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج أي ان الفكرة خطة للعمل او مشروع له و ليست حقيقة في داتها >> و جاء جيمس و اضاف ان النتائج و الاثار التي تنتهي اليها الفكرة هي الدليل على صدقها او هي مقياس صوابها ، إدا اردنا ان نحصل على فكرة واضحة لموضوع ما ، كما يقول ، فما علينا إلا ان ننظر الى الاثار العملية التي نعتقد انه قادر على ان يؤدي اليها و النتائج التي ننتظرها منه و رد الفعل الدي قد ينجم عنه .
و الذي يجب أن تتخذ الحيطة بإزائه ، وإذا كانت الصورة العقلية التي لدينا عن هذا الموضوع ليست حقا صورة جوفاء فإنها ستنحل في نهاية الأمر ، إلى مجموعة هذه الآثار العقلية التي تتوقعها منه سواء منها الآثار القريبة المباشرة أو البعيدة ، ومعنى هذا أن الحق لا يوجد أبدا منفصلا عن الفعل أو السلوك ، فنحن لا نفكر في الخلاء ، وانما نفكر لنعيش و ليس ثمة حقائق مطلقة ، بل هناك مجموعة من الحقائق التي ترتبط بمنافع كل فرد من في حياته ، يقول جيمس : &quot; ان كل ما يؤدي الى النجاح فهو حقيقي ، وان كل ما يعطينا اكبر قسط من الراحة وما هو صالح لافكارنا ومفيد لنا باي حال من الاحوال فهو حقيقي &quot; ويقول ايضا &quot; الحق ليس الا التفكير الملائم لغايته كما الصواب ليس الا الفعل الملائم في مجال السلوك &quot; ان دلالة الفكرة هي فيما ينتج عنخا من اثر في السلوك &quot; وما هذا الكلام الا صورة للفلسفة التي يدافع عنها &quot;جيمس&quot; يرى فيها ان الوقائع المحسوسة و العلاقات بينها ليست صادقة ولا كاذبة وانما هي ظواهر موجودة فحسب ، انها خرساء و نحن الذين نحكم عليها ، صحيح فيما يقول اننا نخضع للواقع لانه المصدر الوحيد للمعرفة ، ولكن هذا الواقع خاضع لنا أي انه لين مرن قابل للتشكبل و التعدبل بحيث يوضع على الصورة التي تلائم أغراضنا في الحياة
وفي هذا الشأن يقول شلر: &quot; اتقبل أي مسلمة دينية أو علمية متى امكن الافادة منها في الحياة الدنيا، ومتى قصدت تخليص وتحرره من العرف و التقليد&quot;.
أما الحياة عند جون ديوي هي التوافق بين الفرد و بيئته فلا يخضع لجماعته الا بالقدر الدي يحقق له منفعة و يتحرر من سيطرتها متى وجد ، ان هدا التحرر يحقق له منفعة ، المقياس الصحيح للحقيقة هو الدي يحدد الافاق المستقبلية .


النقد 2:

غير ان رد مقيلس الحقيقة الى النجاح ليس اكثر تحديدا من القول بمعيار الوضوح ، لقد كان للتصور النفعي لمعيار الحقيقة خطوة في مادة التاريخ الفلسفة المعاصرة ، مما جعل المؤرخون و النقاد يتناولونها تضايقا و هجوما ، واغلب الهجومات تدور حول بوجه عام حول ثلاث نقاط :
ان الخطأ قد ينجم عنه اثار نافعة ، غير اننا مع دلك نعتبر الخطأ خطأ رغم نجاحه في المجال العلمي ،وعلى هدا الاساس فإن القول بمعيار النفع لا يسمح بالتمييز بين الصواب و الخطأ مادام الخطأ موصلا الى نتائج صالحة .
ان القول بمعيار النجاح قول سلبي عن الحقيقة و ليس قولا ايجابيا و دلك لأن المدهب البراغماتي يريد انطلاقا من المقدمة القائلة : ان كل القضايا الصحيحة او الحقيقية لها اثار عملية ، وان كل القضايا التي لها اثار عملية قضايا حقيقية و صحيحة . غير ان هدا غير صحيح فالقضية التي ليست لها اثار عملية لا يمكن ان تكون صحيحة أي اها خاطئة ، وفي هده الحالة نحن لا نقبل القضايا التي ليست لها نتائج عملية و نستبعدها من دائرة القضايا الصحيحة ، و الاستبعاد طريقة غير ايجابية في الكشف عن الحقيقة ، لأنها توقفنا على الخطأ و لا ترشدنا ال الحقيقة .
فكل ما هو عرضة للتغير لا يصلح ان يكون معيارا للحقيقة.
كما ان المنفعة معيار داتي و غير موضوعي ، فهو نسبي و غير مطلق لأن ما يحقق لشخص من منفعة قد يحقق لغيره ضرر و بالتالي فالحقيقة لا تقاس بما تحققه من منافع ، فإدا كانت الاكدوبة الناجحة صحيحة صار من العسير الحفاظ على مبدأ الحقيقة .


التركيب :

و من خلال ما سبق يمكن القول : لا يمكن حصر معيار الحقيقة في ميدان المحدود الدي يرتضه انصار الوضوح و النجاح ، فلا يجب ات يترك الوضوح امرا مرهونا بقدرة العقل البشري على اكتشاف الحقيقة من تلقاء نفسه لأن العقول ليست كلها قادرة على التفكير الواضح ، بعيدا عن الاثار العملية التي تترتب عن هده الفكرة ، ولهدا امكن التاكيد على وجود تكامل بين المعيارين معا ، فالفكرة الواضحة لا يؤخد بها الا ادا انتظر منها الانسان نتائج نفعية ناجحة ، فالتلميد قد يحكم على الاستاد حسب قدراته و اداءه الوظيفي ، وما يتحصل عليه من اثار ايجابية في شهادة الشهادة الباكالوريا
الرأي الشخصي :
و الراي الصحيح هو الدي يرى ان المنفعة هي المقياس الوحيد للحقيقة لأن الانسان المعاصر اصبح لا يهتم بالافكار النظرية المجردة البعيدة عن الواقع ، بل يهتم بالافكار العملية التي تحقق له المنافع و تجعله ناجحا في حياته و هدا ما عبر عنه ديوي : << فلا مجال للقول بان المعرفة تتحدد في حدود الاعتبارات النظرية التأملية أو الفكرية المجردة >>


الاستنتاج :

و عليه فإننا نصل الى ان الحقيقة تقاس بمدى وضوحها و بما تحققه من منافع ، فالعقل و المنفعة كلا منهما مشروطا بالآخر ، لأن المعيار العقلي ضروري لكنه غير كاف ، فهو بحاجة الى معيار علمي واقعي و هو المنفعة و النجاح ، وبالتالي فالافكار الواضحة للانسان تحتاج الى التطبيق حتى لا تبقى مجرد نظريات لا وجود لها في الواقع الدي يؤكد ان قيمة المادة الرياضيات لم تتحقق الا بعد ان وظفت في الابحاث العلمية ، و العلوم لم تكن لها قيمة الا بعد ان تحولت الى تكنولوجيا و لاخلاق لا قيمة لها الا ادا تجسدت في سلوك صاحبها لهدا فالعلاقة بين العقل و الواقع كبيرة جدا .



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى