المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة هل اللاشعور علم ام فلسفة



Chakira
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 07:59 AM
ماذا لو جاءت مثل هكذا مقالة في الشهادة الباكالوريا؟

يعتقد فرويد وتلاميذه أن فرض رائعية اللاشعور فرض رائعية علمية، وتقرر لديك فساد هذا الاعتقاد، فكيف تثبت بطلانه؟

طرح المشكلة: لقد شاع عند كثير من علماء النفس وخاصة لدى المشتغلين بالتحليل النفسي، منذ بدايات القرن العشرين، أن التحليل النفسي علم وأن فرض رائعية اللاشعور فرض رائعية علمية، وقد دافع فرويد نفسه عن هذه الفكرة. لكن في مقابل ذلك ذهب كثير من المفكرين والفلاسفة المعاصرين إلى النظر للاشعور كفرض رائعية فلسفية، ومن هذا المنطلق يمكن التساؤل: هل فعلا أن اللاشعور فرض رائعية علمية؟ أليست مجرد فرض رائعية فلسفية تساعدنا على فهم السلوك الانساني أكثر مما تساعدنا على تفسيره.

محاولة حل المشكلة:

عرض منطق الأطروحة: إن فكرة اللاشعور لم تكن جديدة عندما دافع عنها فرويد، بل قال بها فلاسفة وأدباء كثيرون قبله، لكن ما جاء به التحليل النفسي ولم يكن شائعا، هو أن اللاشعور ليس مجرد ضعف أو غياب للانتباه، بل هو منظمة نفسية لها وجود سابق عن الشعور نفسه وتؤثر فيه وتتحكم بكثير من موضوعاته، ويتألف اللاشعور عند المحللين النفسانيين من الميول والأهواء المكبوتة وتؤثر على نحو لا شعوري في حياتنا الواعية.

واللاشعور بهذا المعنى يكون منفصلا عن الزمن الموضوعي والواقع الخارجي، وهو يستجيب لمبدأ اللذة فقط، ويتجلى في الهفوات والزلات والأعراض العصابية والأحلام، وقد اعتبر فرويد اللاشعور فرض رائعية علمية تساعدنا على فهم وتفسير الظواهر النفسية التي لا نجد لها أسبابا معروفة في الحياة النفسية الواعية.

إبطال الأطروحة: اعتبار اللاشعور فرض رائعية علمية يستدعي أولا تحديد خصائص ما يمكن أن يوصف بأنه علمي. في الحقيقة أن العلماء والفلاسفة منقسمون بشأن هذه الخصائص، لكنهم على الأقل يتفقون حول ثلاثة منها: 1- الانسجام المنطقي، 2- أنّ ما هو علمي ليس مجرد وصف للأحداث، 3- القابلية للتحقق (إثبات/ تفنيد) التجريبي.

ومن هذا المنطلق وكي يعتبر القول باللاشعور فرض رائعية علمية، يجب أن يكون مفهوم اللاشعور خاليا من أي تعارض في حين أن الواقع يثبت خلاف هذا، حيث أن أهل الاختصاص ليسوا متفقين على مفهوم اللاشعور أو محتواه. فبالنسبة لأدلر أن اللاشعور ليس مرده إلى الليبيدو بل هو راجع إلى الشعور بالقصور، فالمصاب بقصور عضوي يسعى إلى تعويض هذا القصور وتغطيته عن طريق الأعراض العصابية، وكل ما فسره فرويد بالكبت فسره أدلر بعقدة القصور وبالتعويض.

أما يونغ فأضاف لاشعور جمعي إلى جانب اللاشعور الفردي الذي تحدث عنه فرويد معتقدا أن اللاشعور الفرويدي غير كاف لتفسير الحياة النفسية. وهذا التعدد والتعارض في التصورات يعصف بخاصية الانسجام المنطقي المطلوبة في الفرض رائع العلمي.

عرض موقف أنصار الأطروحة وابطاله: إن أنصار التحليل النفسي، مازالوا يدافعون عن فكرة أن اللاشعور فرض رائعية علمية ومشروعة مثلما فعل فرويد في بداية القرن العشرين، وهم في هذا الزعم يستندون إلى جملة من المبررات، منها: 1- أنّ اللاشعور يساعدنا على فهم الحياة النفسية بشكل افضل مما كانت عليه في السابق. 2- وهو يفسر كثيرا من الأعراض المرضية التي ظلت لزمن طويل دون فهم أو تفسير. 3- ويمكن التحقق من صدق هذه الفرض رائعية، وذلك إذا تمكن التحليل النفسي من مساعدة كثير من المرضى على الشفاء من الأعراض المرضية، تكون هذه النتيجة دليلا على صدق الفرض رائعية.
إنّ هذه المبررات تؤكد شيئا واحدا هو أنّ اللاشعور فعلا ساعدنا على فهم جوانب من الحياة الإنسانية ظلت مجهولة لزمن طويل، لكن هذا لا يقدم أيّ على علمية هذه الفرض رائعية. حيث أن الفهم الذي يؤدي إليه اللاشعور يقوم على "التأويل"، و التأويل يفترض أنّ المعطيات هي رموز تخفي وراءها معاني ودلالات، وبدل أن يقتصر المحلل على تحديد العلاقة السببية بين الظواهر، فإنه يؤوّل المعطيات بحسب ما يعتقده المحلل. فإذا كان المحلل فرويديا، فإنه يميل دائما إلى تأويل الأعراض والزلات والأحلام تأويلا جنسيا، أمّا إذا كان أدليريا، فإنه يؤوّل جميع هذه المظاهر، على أنّها تعويض عن القصور الذي يعانيه الشخص.

ومن هذا المنطلق، فإن تقنية التأويل المعتمدة في التحليل النفسي – والتي بدونها يفقد اللاشعور كل قيمة له– لا تؤدي إلى نتائج مجمع عليها، في حين أنّ موضوعية العلم لابد أن تحقق الإجماع، وبعبارة أخرى، أنّ التأويل سيظل دائما أمرا ذاتيا، ويجب الاشارة إلى أنّ محتويات اللاشعور سواء التي حدّدها فرويد أو يونغ أو أدلر، ليست سوى تأويلات خاضعة لقناعات ذاتية، وليس لجملة من الملاحظات التجريبية.

أمّا أن يتمكن بعض المرضى من الشفاء بناءً على التسليم بوجود حياة نفسية لاشعورية، واستخدام بعض التقنيات، لا يثبت علميتها بقدر ما يثبت أهميتها في العلاج. وليس كل ما يثبت نجاحه في العلاج يكون علميا.

حل المشكلة/ التأكيد على مشروعية الابطال: إذن تظل فرض رائعية اللاشعور في سياق التحليل النفسي، اجتهادا أدى إلى اكتشافات مضيئة وهامة حول النفس البشرية، ومعالجة كثير من أمراضها على مستوى الشعور والسلوك (وهو ما لا يمكن إنكار إنجازاته على الصعيد العيادي)، ورغم هذا لا يمكن الادعاء أنّها فرض رائعية علمية.

وقد تبيّن من خلال محاولة حل المشكلة، أنّ التعارض الذي تضمنته المشكلة المعالجة هو تضاد، ولهذا كان علينا بعد إبطال الأطروحة القائلة أنّ اللاشعور فرض رائعية علمية، أن نثبت أنّها فرض رائعية فلسفية، لأنّ المتضادان لا يكذبان معا. وبهذا اتضحت الاجابة أنّ فرض رائعية اللاشعور اجتهاد، أقرب إلى الافتراض الفلسفي منه إلى النظرية العلمية المتكاملة.



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى