المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال عن الحقيقة



walid
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 07:32 AM
أنا أحفظ هذه المقالة عن مطابقة الحقيقة للواقع، لكن اذا أتى السؤال عن الحقيقة المطلقة والنسبية كيف يمكن أن أتصرف في هذه المقالة. هل المعلومات الموجودة في هذه المقالة هي نفسها في المطلقة والنسبية؟
أليكم المقالة:

هل الحقيقة هي مطابقة الحكم للواقع؟
طرح المشكلة: كانت نظرية أرسطو القائلة أنّ الأرض هي مركز الكون تعتبر حقيقيّة، وقد استنبط أرسطو نظريته من القياس المنطقي، لكن منذ القرن السادس عشر قال كوبرنيك وغاليلي بخلاف هذا، أي أنّ الأرض ليست سوى كوكب يدور حول الشمس، وأنّ نظريّة أرسطو ليست حقيقيّة لأنّها تخالف ما تثبته الملاحظات والقياسات الواقعة. ويوحي هذا أنّ الحقيقة يُحتكم فيها إلى الواقع، وهذا يدفعنا إلى التساؤل، هل فعلاً تكون المعرفة حقيقيّة عندما تقول ما يقرّه الواقع؟
محاولة حلّ المشكلة:
الأطروحة: يذهب التجريبيون إلى ردّ جميع معارفنا إلى الواقع، ومن ثمّ فهم يعتبرون الاحتكام إلى هذا الواقع هو المعيار الدقيق للحقيقة. وعلى هذا النحو لا تكون الحقيقة ثابتة ولا مطلقة، وعلماء الطبيعة المعاصرون قالوا بمبدأ المطابقة مع الواقع أيضا، بل إنّ فكرة التجريب لديهم تقوم على التسليم الضمني أو التصريح بمعيار المطابقة للواقع كأساس للحقيقة العلميّة.
الحجة: لأنّ جميع أفكارنا، تتطوّر وتتّسع مع ما نكتسبه من خبرة، في حياتنا اليوميّة. لقد أثبت العصر الحديث أن الحياة الواقعيّة أوسع وأشدّ ثقة وأكثر عمقاً من القياسات العقليّة، ومن أيّ منطق ساكن قائم على أساس من "الحقائق الثابتة". إنّها متدفّقة ومتغيّرة، وتفاجئ جميع القوانين بما لا تتوقّعه، وتخبرنا" أنّ عدد الأشياء التي رفض العقل أوّل الأمر الاعتراف بها، ثمّ قبلها في النّهاية، لعدد كبير جداً". ويرى الفيزيائي الفرنسي لويس دو بروي (1892، 1987) " أنّ القول بمطلقيّة القوانين وثباتها قول لا ينطبق مع الواقع المتغيّر". وأخذ أهل الوضعيّة المنطقيّة على أنفسهم ألّا يعترفوا بغير الواقع المحسوس الذي يمكن إخضاعه لمناهج الملاحظة والتجربة، واهتمّوا بالفكر باعتباره لغة يتحتّم عليها أن تنطبق مع الواقع الحسّي وواقع الأحكام المنطقيّة.
مناقشة: لكن هل واقعية الأشياء التي نتحدّث عنها كافية لضمان الحقيقة؟ فعندما نتحدّث عن الذهب الحقيقي والذهب المغشوش (نحاس مطلي بالذهب) -كما بيّن ذلك الألماني هيدغر (1889، 1976)-، فإنّنا نتحدّث عن أمرين واقعيين، أحدهما نعتبره حقيقياً والآخر ليس حقيقياً. فالذهب المغشوش ظاهره كما يبدو في الواقع غير موافق لحقيقته؛ (أي لما نعتقد أنّه هو) مع أنّ الحكم بأنّه ذهب مطابق لما يبدو عليه في الواقع.
نقيض الأطروحة: يذهب العقلانيّون إلى ردّ جميع معارفنا إلى العقل، ومن ثمّ فهم لا يعتبرون الاحتكام إلى الواقع معيارا للحقيقة. والعقل يحتضن الحقائق المحدوسة التي توفّر المنطلق الصلب والأوّل للمعرفة. ومن مميّزات هذه الحقائق التي يحكم بها العقل، أنّها كليّة صادقة صدقا ضرورياً، وسابقة لكل تجربة، لا يتطرّق إليها الشك. ومنها يستنبط العقل النتائج التي تَلزم عنها، وبهذا تتشكّل المعرفة اليقينيّة التي تصدق في كلّ زمان ومكان.
الحجة: إنّ الواقع لا يستطيع أن يعلمنا عن الحقيقة شيئاً لأنّه في تغيّر دائم، ولهذا فإنّ العقل لا يطلب الحقيقة في عالم الأشياء (أي الواقع)، وإنّما يطلبها في عالم الأفكار (وعالم المثل)، لأن هذا عالم - كما يرى أفلاطون (428 ق م، 347 ق م) - وراء الأشياء وفي هذا العالم، يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل، الخير المطلق والجمال المطلق والدّائرة الكاملة... إنّه لعلم دائم وخالد، هو عالم الحقيقة، وما عالم الأشياء سوى أشباح وظلال. وأعلى حقيقة مطلقة في السلم مثال (فكرة) الخير. ويليه الجمال والأشكال الهندسيّة من دائرة ومثلّث ...الخ. والفضيلة الأخلاقيّة تستوجب التّخلّص من عالم الفناء بحثاً عن الحقيقة المطلقة في العالم الفوقي.
وأصحاب المذهب العقلي في الجملة لا يطلبون حقيقة الأفكار خارج الفكر ذاته، لأنّ الحكم الصادق؛ يحمل في طياته معيار صدقه، وهو الوضوح. وفي هذا المعنى، يرى الهولندي سبينوزا (1632، 1677) أنّه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة. "... فكما أنّ النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات، كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب".
ويتجلى هذا في البديهيات التي تبدو ضروريّة واضحة بذاتها، كقولك: الكّل أكبر من أحد اجزائه، أو إنّ الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين. والواضح بذاته هو ما لا يمكن البرهان عليه وليس في حاجة إلى برهان، إنّما يدرك بالحدس، ويكون خالياً من التناقض ومتميّزاً.
مناقشة: إنّ إرجاع الحقيقة كلّها إلى الوضوح، يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي للحقيقة. قد نحس بأنّنا على صواب في أحكامنا على أساس البداهة والوضوح، ولكن قد يحدث أن يقف أحدنا بعد ذلك على خطئه. وقد يحدث لأحدنا أن يرى بديهياً ما يتوافق مع تربيته وميوله واتجاهاته الفكرية.
التركيب: إنّ العلاقة بين الحقيقة والواقع شديدة التداخل والتعقيد، وذلك لأنّنا نستخدم مصطلحي الحقيقة والواقع بدلالات مختلفة، يصعب حصرها في مجال واحد. فنعني بالحقيقة حيناً ماهية الشّيء وجوهره، ونعني بها حيناً آخر مطابقة الحكم لموضوعه، ونعني بها ايضاً، خلو الحكم من التناقض... أمّا الواقع فقد يستخدم للإشارة إلى أشياء العالم الخارجي كما تدركها حواسنا، مثل: "الماء عندنا هو سائل شفاف أو يأخذ لون وطعم المكان الذي يوجد فيه"، أمّا "واقع الماء عند علماء الطبيعة، هو جزيء مؤلّف من أوكسجين وهيدروجين".
ومن هذا المنطلق فإنّ حصر معيار الحقيقة في المطابقة مع الواقع، أو في الوضوح، هو مخالف للحقيقة ذاتها. لا ننكر أن تكون هناك بعض الحقائق التي تتحدّد على أساس مطابقة الحكم للواقع، لّكن حقائق أخرى تحسب على أساس المنافع التي نجنيها من هذا الواقع أو ذاك، وبعضها الآخر يتحدّد على أساس الوضوح أو الذوق أو الايمان، وذلك لأنّ الحقيقة لم تعد يُنظر إليها على أنّها مطلقة، بل حتّى المطلقة منها؛ هي مطلقة بالنسبة لمجال محدّد أو لمذهب محدّد. فالحديث عن الحقيقة الدّينيّة أو الحقيقة الفلسفيّة المطلقة، تكون مطلقة بالنسبة لمعتنقي هذا الدّين أو ذاك، ولمنتحلي هذا المذهب الفلسفي أو ذاك، أمّا خارجهما، فهذه الحقيقة ذاتها تصبح نسبيّة، أي صالحة ومطلقة بالنسبة لهؤلاء دون غيرهم من معتنقي ديانات أو مذاهب فلسفيّة أخرى.
ألا ترى أنّه بالنسبة للمسلم، فالايمان بالله يستوجب تنزيهه عن الوالد والولد، والمسلم يعتقد بهذا على أنّه حقيقة مطلقة، أمّا المسيحي فالحقيقة المطلقة عنده أنّ المسيح هو إبن الله، وقد ضحى بنفسه من أجل الانسان.
حل المشكلة: وعليه فإذا كانت الحقيقة كما نفهمها في العصر الحديث هي نسبيّة، وأنّ المطلق منها هو نسبي بوجه من الوجوه، فإنّنا نستطيع القول أنّنا أصبحنا نتحدّث عن حقائق، لا عن حقيقة واحدة، بعضها يقوم على المطابقة، وبعضها على الوضوح، وغيرهما على الذوق ... وهكذا. ومن هذا التحليل، يتضح أنّ مسألة معيار الحقيقة لا يمكن إدراكه إلّا ضمن مشكلة الحقيقة ككلّ (طبيعة المعرفة، الحقيقة المطلقة والنسبيّة، مشكلة المعيار). إذن الحقيقة لا يمكن اختزالها إلى مجرّد مطابقة الحكم للواقع، لأن هذه المطابقة ليست سوى بعض صور هذه الحقيقة.



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى