المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة موسعة عن الدولة هل هي ضرورية أم يمكن الاستغناء عنها ؟



romaissa
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 07:26 AM
هل وجود الدولة ضروري ؟
طرح المشكلة: تعرف الدولة بأنها جماعة من الناس تقيم على رقعة جغرافية بشكل دائم مع خضوعهم لسلطة معينة و تمتعهم بقدر من السيادة كما تعتبر الدولة الكيان السياسي الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم لكن الفلاسفة و رجال السياسة اختلفوا حول ضرورة الدولة و أهميتها في تنظيم شؤون الحياة فمنهم من يرى أنها كيان ضروري لا يمكن الاستغناء عنه و منهم من يرفضها و يعتبرها مقيدة لحرية الأفراد. و من هنا نتساءل: هل الكيان السياسي ضروري في تنظيم حياة أفراد الشعب أم يمكن الاستغناء عنها ؟
محاولة حل المشكلة: عرض منطق الأطروحة : يرى بعض الفلاسفة و على رأسهم الفيلسوف اليوناني أفلاطون Platon(429-347 ق.م) و الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز (1588-1679) Thomas Hobbs و الفيلسوف الألماني هيغل Hegel( 1770-13-1831) أن وجود الدولة أكثر من ضروري لفرض رائع النظام و الأمن و لحماية الحقوق المختلفة للمواطنين و نشر مختلف القيم الروحية و الأخلاقية و هذه أمور لا تتحقق الا في ظل الدولة لأن الانسان كائن مدني و اجتماعي بطبعه .
الحجج : يؤكد هيغل أن للدولة دورا مهما في نشر القيم الروحية و المبادئ الأخلاقية السامية كالتعاون و التكافل و المحبة و التضحية و هي قيم و مبادئ أساسية بالنسبة للمجتمع حتى يتمكن الانسان من تحقيق إنسانيته فالدولة تشكل أرقى درجات التنظيم العقلي الذي وصلت إليه البشرية و أنها غاية في ذاتها حيث يقول: « الدولة هي الوجود بالفعل للفكرة الأخلاقية ». كما يؤكد هوبز أن الدولة ضرورية لتحقيق الأمن و الحرية فالإنسان ذئب لأخيه الانسان و الدولة لا غنى عنها للحد من الطبيعة الحيوانية للبشر و المحافظة على كرامتهم و هو نفس ما عبر عنه أفلاطون قديما حينما اعتبر الانسان حيوانا سياسيا أي أن وجودنا يتحدد في إطار الدولة. و قد أكد ذلك الفيلسوف و عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبرMax Weber (1864-1920) في قوله: « ﺇن وجود الدولة قوامه علاقة السيطرة من الانسان على الانسان باستخدام العنف المشروع » و الى نفس الفكرة ذهب ابن خلدون (1332-1406) فهو يرى ضرورة الاجتماع السياسي و لكنه يشترط وجود حاكم قوي لوضع حد للطبيعة العدوانية للإنسان حيث يقول « ثم ﺇن هذا الاجتماع ﺇذا حصل بلا شر فلا بد من وازع يدفع الناس بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان و الظلم ».
ﺇن الحريات و الحقوق لا تمارس الا في إطار النظام فالواقع يؤكد ان الأنظمة الديمقراطية توفر لشعوبها قدرا كبيرا من الحريات، وهو ما تظهر قيمته أكثر في عند المقارنة مع الشعوب التي يسقط فيها النظام فقد حلت الفوضى في العراق عند سقوط نظام صدام حسين لدرجة أن آثارا عمرها آلاف السنين تم نهبها و تحطيم بعضها في ساعات قليلة، حتى أن الكثيرين تمنوا عودة النظام المنهار، و في ذلك يقول سبينوزا Spinoza(1632-1677):« لم توجد الدولة لتحكم الانسان بالخوف و إنما وجدت لتحرر الفرد من الخوف ».كما تعتبر الرعاية الاقتصادية التي تتمثل في اختيار النظام الاقتصادي الأفضل لتنمية الثروة و حسن استثمار الموارد الطبيعية و الوظيفة السياسية التي تعني اختيار النظام السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب ألا و هو النظام الديمقراطي الذي يحقق الحرية السياسية و تكوين الأحزاب و يحفظ حق المعارضة والوظيفة الثقافية التي تحفظ مقومات الأمة وتعرف بها للدول أخرى من خلال تنظيم المهرجانات الثقافية و الصالونات الدولية الخاصة بالكتاب كامل مثلا و الوظيفة الاجتماعية التي توجب رعاية أفراد الشعب من خلال بناء المستشفيات و دور الرعاية الخاصة بالمشردين... كل هذه تعتبر من وظائف الدولة الحديثة باعتبار أن الانسان كائن اجتماعي لا يتحقق وجوده الا من خلال تواصله مع الآخرين بطريقة منظمة عن طريق الدولة.
النقد: صحيح أن للدولة دورا مهما في تنظيم حياة الأفراد لكن الواقع يؤكد أنه كثيرا ما كانت وسيلة للظلم و القمع و سلب الحريات كما هو الشأن في الدول الاستبدادية مثال ذلك النظام النازي و أيضا الفاشي الذين كانا قائمين على القهر و الاغتيالات و التحكم في الشعوب بقانون القوة لا بقوة القانون و ما التجاوزات التي تحدث في بعض الدول مادة اللغة العربية كسوريا مثلا الا دليل على هذا التسلط كما أن الوعي الذي عرفه الانسان على المستوى السياسي مكنه من وضع آليات تقيد استعمال السلطة كتحديد العهدات الرآسية ، وتحولت علاقة المواطن بالسلطة من علاقة رضوخ و استسلام الى علاقة امتثال للقانون الذي اشترك الأفراد في و ضعه.
عرض نقيض الأطروحة: في المقابل يرى بعض الفلاسفة و على رأسهم الفيلسوف الألماني انجلز (1820-1895) Engels و مواطنه كارل ماركس (1818-1883) Karl Marx و زعيم الفوضوية الفيلسوف الروسي باكونين (1814-1876) Bakuninأن الدولة تعتبر تجسيدا لسلطة القوي على الضعيف ﺇذ تعبر عن أنانية البشر و تسلطهم و هي كيان قمعي يقيد حرية الانسان لذلك فهي غير ضرورية.
الحجج: يؤكد كارل ماركس و انجلز أن الدولة مؤسسة طبقية فهي تخدم مصلحة الطبقة الحاكمة و هي وسيلة لتبرير الظلم و الاستغلال حيث يقول انجلز : « القانون و الأخلاق مبررات وضعها الأغنياء للسيطرة على الفقراء » ﺇذ تعمل الدولة على تضييق مجال الاتصال بين الأفراد و تحد من انتشار القيم الأخلاقية العالمية كالسلام مثلا و التعاون و هذا بسبب الحدود لذلك يدعوا أنصار هذا الاتجاه الى إزالتها .
كما يؤكد الفوضويون و على رأسهم باكونين Bakuninالذي دعا الى إزالة الدولة و الى المساواة بين الرجل و المرأة و الى الاشتراكية و محو الفوارق و الطبقية الاجتماعية فالدولة تؤدي الى ظهور طبقتين الأولى غنية و مالكة للثروة و وسائل الإنتاج و الثانية فقيرة كادحة لا تملك سوى طاقة العمل ﺇذ تسيطر الطبقة الأولى على الثانية لإرغامها على الخضوع و ذلك باسم الدولة و في ذلك يقول باكونين :« ﺇن الدولة مقبرة كبيرة تدفن فيها جميع مظاهر الحياة الفردية » و يقول انجلز : « ليست الدولة ﺇلا تعبيرا عن إحدى الطبقات في المجتمع ». ﺇن واقع الدول المتخلفة يكشف أنها لا تعمل على ترقية الحريات بل تسعى الى عرقلتها و الحد منها للتحكم في المجتمع أكثر و هذا ما تعبر العبارة الشهيرة من بعض الدول مادة اللغة العربية التي ثارت ضد حكامها « ﺇرحل»، كما أن الدول القوية تستعمل النظام الديمقراطي لقمع الشعوب المقهورة ثم أنه بإمكان الانسان أن يعيش بدون دولة و أن يلبي كل مطالبه فالناس سيسعون لصالح بعضهم البعض دون حاجة الى قوة تلزمهم بالاحترام ذلك أن الفرد ميال بطبيعته الى غيره. ﺇن الاكراهات القانونية و السياسية و الاجتماعية للدولة التي تتعارض مع الطبيعة الإنسانية القائمة على حب الحرية مثال ذلك أن الملاكم الأمريكي محمد على كلاي أقصي من الملاكمة مدة سنتين و دخل السجن لأنه رفض السياسة الأمريكية في فيتنام و رفض المشاركة في هذه الحرب، وكم من مخرج سينمائي أو فنان دخل السجن لأنه عبر عن آرائه بحرية، وهذا القمع يظهر خاصة في الدول الاستبدادية التي تطبق حكم البوليس المتميز بالظلم و التعسف و التسلط و لهذا قال ابن رشد : « السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ».
النقد: صحيح أن بعض الدول أو بالأحرى أساءوا استخدام السلطة و تعسفوا في الظلم شعوبهم لكن هذا الاتجاه لا يدرك خطورة المطالبة بإلغاء الدولة فهو لا يعي عواقب زوالها ﺇذ سيسود قانون الغاب و البقاء للأقوى و من ثمة تعم الفوضى و لا يستطيع أحد أن يمارس حريته الفردية و هذا ما جعل الفيلسوف الفرنسي بانجمان كونسطان (1845-1902) Benjamin Constant يؤكد على ضرورة تضحية الأفراد بجزء من حرياتهم و كذا ثرواتهم قصد المحافظة على الصالح العام لان الإفراط في الحريات يؤدي الى تعارض الإرادات و تفكيك الدولة و يهدم المجتمع المدني و يقوضه.
التركيب: من خلال التحليل السابق يمكننا القول أنه لا قيمة للدولة الا بالقدر الذي ترتقي فيه بالإنسان فردا و جماعة إذ لا يمكن رفض وجودها و الدعوة الى الفوضوية و قانون الغاب و من جهة أخرى لا يجب الخضوع لها خضوعا مطلقا خاصة ان كانت ظالمة مستبدة.
الرأي الشخصي:لكنني أرى أن الدولة ضرورية لتنظيم حياة الناس و حفظها لأن الدعوة الى زوالها هي دعوة الى الرجوع بالإنسانية الى الحالة الطبيعية الأولى حيث تظهر وحشية الانسان إذ للدولة أو السلطة العديد من الوظائف لرعاية الصالح العام ففي النشاط الاقتصادي مثلا تقوم بحماية المستهلك من جشع بعض التجار كما هو الحال مع أزمة البطاطا و تشريع القوانين التي تنظم النشاط التجاري و الاقتصادي كما تقوم بشق الطرقات و بناء المدارس و المستشفيات ..، أما في المجال السياسي فهي تضبط الجماعة و تروض الأفراد بما تملك من و سائل الأمن كالشرطة و الجيش أو بما يسمى العنف المشروع فلولا هذه الوسائل لتمرد الأفراد و لعمت الفوضى.
حل المشكلة: نستنتج في الأخير أن وجود الدولة ضروري لتنظيم حياة الأفراد و القضاء على أنانية الانسان_ لأنه أناني بطبعه_ كما أن ذلك لا يتم ﺇلا بتقديس الحقوق الطبيعية و أهمها الحريات الشخصية إذ بدون هذه الشروط تصبح الدولة أداة للقمع و الظلم و الاستغلال حيث الله عز وجل في محكم تنزيله: « و ﺇذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل »،و يقول النبي صلى الله عليه و سلم: « مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى »




https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى