المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقومات الأسرة



loulou ange
11-08-2013, بتوقيت غرينيتش 06:27 AM
مقومــــات الأســـرة



ولكي يتسنى للأسرة القيام بوظائفها وتأدية دورها كمؤسسة اجتماعية، لا بد وأن تتوافر لها مجموعة من المقومات الأساسية التي لا غنى لها عنها.
ويعتمد نجاح الأسرة أو فشلها في تحقيق التوافق الاجتماعي اعتماداً كلياً على مدى تكامل هذه المقومات وترابطها.
أولاً: المقومات الاقتصادية:
حاول الكثير من رجال الاقتصاد وعلماء الاجتماع الاستعانة بدراسات متعددة للتأكيد على أن الأسباب الرئيسة والأولية للانحرافات الاجتماعية تنبع من العوامل والقوى الاقتصادية في المجتمع.
ومن خلال هذه الدراسات تم الإجماع على أن معظم المجتمعات الحديثة تقوم حول أيدلوجية اقتصادية أساسية وأن تفسير المشكلات الاجتماعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفشل النظم التكنولوجية والاقتصادية في القيام بوظائفها، والعجز عن ضبط النشاط الاقتصادي وتوفير السلع والخدمات الكافية لكل فرد من أفراد المجتمع.
لقد ظهرت مجموعة من التفسيرات الاقتصادية المطلقة للجناح والجريمة وإدمان المخدرات والخمور والإصابة بالأمراض العقلية والنفسية...
وغيرها من المشكلات الاجتماعية.
وقد أسهمت هذه الدراسات بنتائج إيجابية أكدت على أنه (إذا تم التخلص من البطالة وإزالة الفقر والسيطرة على التقدم الآلي بصورة ملائمة وتوفير المسكن الصحي لكل أسرة فسوف تدخل الإنسانية في العصر الاجتماعي السعيد الذي يخلو فيه المجتمع من كل المشكلات الاجتماعية) (حسن: 1981).
الفقر والانحراف الاجتماعي :
مما لا شك فيه، أن للفقر باعتباره الحالة التي لا يكفي فيها دخل الأسرة لإشباع حاجاتها الأساسية المتغيرة للمحافظة على بنائها المادي والنفسي والاجتماعي، آثاراً سلبية خطيرة على الجوانب الصحية والثقافية من حيث نوع الثقافة السائدة في حياة الأسرة ومدى توفر فرص التعليم...إلخ.
والفقر قبل كل شيء هو الذي يحرم الاسرة من المشاركة الاجتماعية في جميع المجالات الحياتية ـ سياسية، اقتصادية أو اجتماعية.
إن تأثير الفقر ليس منفصلاً عن بقية العوامل النفسية والاجتماعية إذ أنه يؤثر ويتأثر بمستوى الطموح لدى الأسرة وبالوضع الطبقي والثقافة السائدة في المجتمع (الجمعية الكوينية لتقدم الطفولة مادة اللغة العربية: 86 ـ 1987).كما يؤثر تأثيراً ملحوظاً في عملية الاتزان النفسي وفي علاقة الفرد بالأسرة والبيئة المحيطة.
لقد أثبتت مجموعة من الدراسات أن الفقر أحد الأسباب الرئيسة لجميع أنواع الانحرافات الاجتماعية كانحراف الأحداث والاتجاه نحو السرقة والإجرام والانحرافات الجنسية بمختلف أشكالها وأنواعها وإدمان الخمور والمخدرات، وما إلى ذلك من أنماط الانحرافات.
وأن الفقر يؤثر بصورة ظاهرية على الفرد مما يجعل بعض المجتمعات لا تكترث لحالة هذا الفرد، إلا أنه في حقيقته يحمل بالغ الأثر على المجتمع والبيئة المحيطة به.
المسكن والانحراف الاجتماعي:
يعتبر علماء الاجتماع المسكن السيئ سبباً من اسباب الانحراف الاجتماعي إلا أن الغالبية العظمى يعتبرونه من أهم أسباب السلوك المنحرف.
لقد تبين من خلال الدراسة والملاحظة أن المساكن الرديئة عامل هام وفعّال في كل مظاهر الانحرافات الاجتماعية، وبالأخص انحراف الأحداث.
وقد بيّنت هذه الدراسات العلاقة بين المسكن والجناح في التالي :
1 ـ تزداد نسبة الانحرافات في المناطق المختلفة التي تنقصها المرافق المادية، وحيث يكثر التجمع السكاني وترتفع درجة التزاحم إلى جانب انتشار حلقات المقامرة والحانات وبيوت الدعارة...وما إلى ذلك.
2 ـ نتيجة للازدحام الشديد في الأسرة يشترك صغار الأولاد والبنات في نفس المكان مع الكبار، وأحياناً مع غير أعضاء الأسرة، وكذلك قد يشترك المراهقون من الجنسين في نفس الغرفة مما يحرك غرائز الجنسين فيدفعهم ـ تبعاً للوازع النفسي والديني ـ إما للكبت وبالتالي اعتلال الشخصية أو للانخراط في خط الانحرافات الجنسية وغيرها.
3 ـ المسكن الضيق أو المشترك يدفع بالطفل إلى الهروب من المنزل كلما سنحت الفرصة والتجمع في الشارع كنتيجة لما يشعر به من توترات وضغوط، مما يدفعه للالتقاء مع غيره من الأحداث وتكوين العصابات ومزاولة أنماط السلوك المنحرف بشتى أشكالها بغية تحقيق الهروب النفسي من الواقع المؤلم الذي يعيشه هذا الطفل.
ميزانية الأسرة:
تتمثل ميزانية الأسرة في أبسط صورها في قيام الأسرة بتقدير الدخل الذي تحصل عليه ومحاولة توزيعه بين أوجه الإنفاق أو بين السلع والخدمات التي يتضمنها الاستهلاك بصورة تحقق أقصى منفعة ممكنة وبأقل نفقة ممكنة.
ولكن الأسرة كثيرا ما تقع في مشكلات مادية لا ترجع إلى عدم كفاية الدخل أو عدم تناسبه مع مطالب الأسرة بل إلى أن الأسرة تعمد إلى زيادة نفقاتها فوق حدود مواردها وتتحدى قلة الدخل النسبي بأساليب سلبية كالاقتراض مثلاً بدلاً من الإنفاق في حدود الدخل أو العمل على زيادة انتاجها واستغلال الطاقات المعطلة فيها ـ ويستثنى من ذلك الفئات العاجزة عن تدبير الحد الأدنى الضروري للمعيشة.
وعندما تفشل الأسرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي يؤدي بها الموقف إلى نوع من الصراع يقوم بين أعضائها من جانب وبين البيئة الخارجية من جانب آخر.
وهذا الصراع يولد أربعة أنواع من التصرفات هي على التوالي :
1 ـ العدوان: وهو في جوهره يعبر عن حاجة الأسرة إلى القيام بفعل معين في ظروف غير ملائمة.
ويستهدف هذا السلوك مقاومة هذه الظروف وتجنبها أو محاولة قهرها والتغلب عليها.
ومن مظاهر وجود الاتجاهات العدوانية في الأسرة، ازدياد الشجار والخلافات بين أفرادها أو النقد المتطـرف لـرب الاســرة، أو ازدياد الاحتكاك بين الأسرة وجيرانها، أو ترديد الشـكوى المستـمرة...إلخ.
2 ـ النكوص: وهو اللجوء إلى حل المشكلات بطرق سلبية تزيد من إغراق الأسرة في المشاكل طويلة الأمد.

ومن أهم مظاهر هذا السلوك الاعتماد على الاقتراض والإسراف في المطالب دون تقدير لموارد الدخل، أو الاعتماد على الأقارب والجيران والشعور بالغيرة الشديدة والحسد للأسر التي تتمتع ببعض المزايا الاقتصادية...إلخ.
3 ـ الجمود: وهو استمرار الأسرة في اتباع نوع معين من التصرفات وأسلوب المعيشة وعدم القدرة على إيجاد حلول إيجابية للمشكلة.
وفي الوقت نفسه عدم التخلي عن العادات والتقاليد التي تدعو إلى الإسراف والاهتمام ببعض المظاهر الاجتماعية لتقليد الآخرين.
4 ـ القنوط: وهو الإحساس الذي يراود أفراد الأسرة بعد مرور فترة من الزمن على المشكلات الاقتصادية دون حل أو تحسين.
ويتحول هذا الإحساس تدريجياً إلى حالة من الكراهية تنصب على الأسرة ذاتها وتزعزع ثقة الأسرة بنفسها فتنتهي إلى الانطواء أو في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري.
الأزمات الاقتصادية والأسرة:
من بين الدراسات التي أجريت في هذا المجال دراسة الدكتورة سامية الخشاب التي تناولت أثر تدهور الدخل بصورة فادحة خلال فترات الكساد أو في حالة البطالة على العلاقات الأسرية.

وقد تبين أن قدرة الأسرة على القيام بالتوافق الضروري دون حدوث أضرار للعلاقات الشخصية المتبادلة يتوقف على درجة ارتباط أعضاء الأسرة بمستوى معين للمعيشة.
فاذا تأثرت بعض المستويات المادية التي تعتبرها الأسرة ذات أهمية في حياتها، كانت النتيجة تدهور العلاقات الأسرية وتفكك الروابط التي تربط أعضاء الأسرة ببعضهم البعض.
ثانياً: المقومات الصحية:
سبق وأن ذكرنا أن الأسرة تعتبر الأداة الطبيعية التي تحقق إنجاب النسل واستمرار حياة المجتمع، وهي الوسيلة التي تنتقل من خلالها الخصائص الوراثية من جيل لآخر ولا جدال في أن سلامة الأبوين الصحية تؤدي إلى نسل سليم.
وحتى تتحقق سلامة النسل فإنه لا بد من تنظيمه بحيث تكون عملية الإنجاب على فترات متباعدة تضمن كون الأم في حالة صحية ونفسية ملائمة لاستقبال الطفل الجديد، ومن جهة أخرى تضمن قدرة الأسرة على إشباع حاجات الطفل المختلفة.
ومن المُسَلَّم به أن الشخص عندما يتعرض للمرض ـ وهو الحالة التي يعجز فيها الفرد عن القيام ببعض أو كل النشاطات والوظائف التي يباشرها الأسوياء، أو ترتبط عند القيام بها بالألم أو الضيق ـ فإن العلة لا تنزل في جانب من الشخص، بل تشمله بأكمله أي أنها تؤثر في مجرى الحياة الأسرية تأثيراً بالغاً من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية...

إلخ.
فعندما يتعرض أحد أفراد الأسرة للمرض..
فإن حالته تؤثر في كافة أعضاء الأسرة دون تمييز أو استثناء، وبالتالي يضطرب نظام الحياة اليومية للأسرة، كما يفرض رائع المرض على عاتق الأعضاء الأصحاء أعباءاً ومسؤوليات إضافية.
ثالثاً: المقومات الاجتماعية:
إن الحياة الأسرية تقوم على التكيف المتبادل بين الأدوار الزوجية من ناحية الإشباعات الجنسية والعواطف الودية والصداقة والديمقراطية أو المشاركة في السلطة وتقسيم العمل.
وعندما يتحول الزوجان نحو الأبوة، تبدأ المسؤوليات المشتركة تجاه الابناء، وتسمو كل العلاقات التي كانت قائمة من قبل في علاقة الزوجين.
فالأسرة توصف في بعض الأحيان بأنها (كائن عضوي)، وهذا المعنى يحمل للوهلة الأولى المعنى البيولوجي للأسرة.
كما تنسب هذه العبارة للأسرة خصائص عملية الحياة والوحدة الوظيفية، وهذا يعني كذلك أن للأسرة مادة التاريخاً طبيعياً لحياتها الخاصة يبدأ بعملية الإخصاب والتوالد والنمو والنضج والقدرة على التوافق أو التكيف، ثم الانحلال التدريجي وأخيراً ذوبان الأسرة في القالب الجديد.
اضطراب وظائف الأمومة:
تعتبر الأم الشخص الأول في حياة الطفل، وكلما كان الطفل صغيراً طالت فترة الاعتماد الإجباري على رعاية الأم.
فعلاقة الأم بالطفل هي علاقة متبادلة يؤثر فيها سلوك الأم في الطفل كما يؤثر سلوك الطفل في الأم.
وفي بعض مواقف الأسرة قد تجد الأم سروراً كبيراً تشتقه من وجودها إلى جانب الطفل وتبدي استعداداً لحبه، كما أنها في مواقف أخرى قد تعبر عن رفضها للطفل بشتى الوسائل.
ومن المظاهر المألوفة في بعض الأسر ما نلاحظه من انعكاس الأدوار بين الجنسين فتقوم المرأة باتخاذ القرارات والسيطرة بينما يقف الأب موقف التابع حتى يتجنب الجدال أو المشاجرة.
كما تقوم الأم أحياناً بدفع الأب وحثه على القيام بكثير من الواجبات التي تعتبر من صميم واجباتها.
وهنا يجب ملاحظة أن واجبات الأب والأم مسألة ثقافية متغيرة، وما نود الإشارة إليه هنا هو تبادل الأدوار وليس المشاركة في الواجبات المنزلية والأسرية.
والمجتمع الحديث في اعتقادي يميل إلى الخلط بين وظائف الأبوين لا من ناحية التماثل الجنسي فحسب بل وحتى في جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية.
فلكي ينطبق على المرأة مفهوم الأمومة ينبغي أن تدرك طبيعتها وأن لا تأخذ صورة مشوّهة عن اختلاف تكوينها الجسمي عن الرجل.
اضطراب وظائف الأبوة: تؤثر مجموعة كبيرة من المؤثرات في تشكيل شخصية الرجل للقيام بدوره كأب.
ولعل من أهم هذه المؤثرات:
1 ـ أثر الثقافة في صقل مفهوم الأبوة لدى الرجل.
2 ـ دوافع الرجل نحو الزواج والإنجاب.
3 ـ علاقة الأب بالطفل.
4 ـ علاقة الأب والأم كزوجين ثم كأبوين.
5 ـ تكامل شخصية الرجل وتفاعله مع أبنائه.
6 ـ استجابات الأب الانفعالية نحو نجاحه أو فشله في القيام بدوره كأب.
وفي حياتنا الحاضرة بعض النماذج من الرجال الذين يتظاهرون بالأبوة المثالية ويعبرون عن اهتمامهم الزائد بالطفل نتيجة رغبتهم الملحة في الظهور بمظهر الآباء الصالحين في أعين الآخرين.
وفي اعتقادي أن هذا النوع من الرجال لا يحمل من الأبوة إلا الاسم إذ يفتقد إشباعات الأبوة الإيجابية، فهو لا يهتم بالعلاقات الأبوية مع الطفل بقدر اهتمامه بالحصول على مكانة اجتماعية عالية.
وبذلك يتخذ من أطفاله وسيلة لبلوغ الأهداف الشخصية ويستغلهم لتحقيق أغراضه الخاصة دون الالتفات إلى الحاجات النفسية أو الجسمية لهم.
وينطبق هذا على بعض النساء أيضاً.
وهناك نوع آخر من الرجال يعبر عما ينتابه من قلق واضطراب بالإقبال على العمل الخارجي للحصول على التقدير والمكانة الاجتماعية أو المهنية فيهمل أطفاله وينظر إلى شؤونهم على أنها أمور من اختصاصات الأم (مطاوع: 1986)، فيكرس حياته لتحقيق النجاح والتقدم في العالم الخارجي، بينما تكرس المرأة كامل وقتها وجهدها لرعاية شؤون الأسرة والبيت.

وفي هذا النمط لا تتحقق سوى مساواة ضئيلة ومشاركة عابرة في العلاقات المتبادلة بين الزوجين.
رابعاً: المقومات الدينية:
يؤلف الدين في أي مجتمع بين حقوق الأفراد وواجباتهم، ويربط هذه الالتزامات بالقوة العليا المسيطرة على البشر والتي تستطيع أن توقع العقاب على كل من يتجاوز حدوده ويتعدى على حقوق الآخرين، كما تستطيع أن تثيب المحسن الذي يكبح جماح شهواته ونزواته ويحترم حقوق غيره، فالفرد لا يتمكن من العيش في معزل عن المجتمع.
إن الحياة الاجتماعية لا تستقيم إلا إذا خضعت العلاقات بين الناس إلى قواعد ونظم تحتل مكانة في نفوسهم.
وبناءاً على ذلك فقد ظهرت مجموعة من النظريات التي تفسر سبب ظهور الدين ودوافع وجوده في المجتمع.
ولا يسعنا هنا أن نذكر هذه النظريات بالتفصيل، ولكن نظراً لأهميتها فسوف نعرض أهم ما توصلت إليه من نتائج:
1 ـ وجود التوحد الأخلاقي.
2 ـ تمجيد القوى الإنسانية وأعمالها.
3 ـ تفسير الظواهر الكونية.
4 ـ وضع المعايير والقيم الاجتماعية.
5 ـ إكساب النظم والقوانين روح القداسة.
إن الدين أمر بالغ الأهمية في أي مجتمع إنساني.
ولقد كانت الأسرة في العصور القديمة وحدة دينية تعتمد على الدين اعتماداً كلياً في تنظيم حياتها، وعن طريق الدين اكتسبت هذه الأسر وحدتها واستقرارها.
وبتطور البشرية اكتسب الدين صفة الأخلاقية وأصبحت أخلاقيات الأسرة جزءاً لا يتجزأ من الأخلاقيات الدينية.
ولعل ذلك يظهر بوضوح عند النظر إلى المجتمعات التي لا تقر الأديان السماوية، حيث تلجأ لخلق دين جديد بطقوس معينة كي تكسب قوانينها روح القداسة، فتحتل هذه القوانين موقع التطبيق على أرض الواقع..






























مما لاشك فيه تكتسي المؤسسة الأسرية دورا هاما في هذا المجال إلى جانب المؤسسات الاجتماعية الأخرى والمحيط الاجتماعي. فالإنسان تتنازعه مند الولادة حاجتان أساسيتان متعارضتان:
الأولى حاجته إلى الأمن ويعبر عنها الطفل برغبته في الارتباط بوالديه. والثانية حاجته إلى الاستطلاع والمجازفة ويعبر عنها برغبة الطفل في استكتشاف المجال المحيط به. هذه الثنائية المتعارضة تظهر في مختلف مراحل العمر إلا أنها تتفاوت من مرحلة إلى أخرى.
يرى الكثيرون على أن الأسرة تنظيم اجتماعي دفعت إليه الحاجة البيولوجية للإنسان، كما يعبر عن ذلك مالينوفسكي حين يربط الأسرة بغريزة بيولوجية هي الجنس. وإذا ما أخدنا بهذا الرأي فإننا



نسقط في مفهوم استاتيكي وثابت للأسرة. أما حين نريد طرح مسألة الأسرة من خلال العلاقات القائمة والمتبادلة بين أعضاءها في إطار المسؤولية والسلطة والتبعية إلى غير ذلك فنحن بصدد تحليل المفهوم الدينامي المتطور للأسرة وأن الإنسان يتميز بخاصية الانفتاح ولا يتحدد بيولوجيا، كما يرى ن. الياس في تحليله للعلاقات العاطفية.

إن الخطاب السوسيولوجي حول الأسرة يعالج بالدرجة الأولى اليوم أنماطا محدودة من الأسر. يرى أنها جديرة بالاهتمام والدراسة تنتمي إلى طبقة محددة داخل المجتمع، إلا أن هذا الاختيار لا يبرر بما فيه الكفاية ويتم تعميم الخطاب على المجتمع وعلى النظام الاجتماعي. مما يطرح مشكلة الشمولية داخل إطار مجتمعي ذو علاقات متمايزة.

فحتى داخل الأسر النووية مثلا، تختلف العلاقات التي تربط مختلف أعضاءها. من أسرة نووية لأخرى، فالعلاقات وتبادل الأدوار داخل أسرة نووية تختلف من أسرة مثقفة إلى أخرى. وخصوصا في بلادنا لم ترق الدراسات السوسيولوجية حول الأسرة ودورها التربوي إلى المستوى المطلوب من أجل تفعيل دورها كبنية اجتماعية محددة لكل أشكال الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية...

ويتحدث عن ذلك دوركايم في تحليلاته عن الأسرة في درسه الرابع في علم الاجتماع، الأخلاق المدنية.
يقول: ليس هناك مجتمع سياسي لا يحتوي في صميم تشكيله من العائلات المتباينة أو من الجماعات المهنية المختلفة، أو من كلتيهما معا، ولو كان هذا المجتمع السياسي محصورا في مجتمع منزلي، لكان في الامكان دمجه بهذا المجتمع. ولأصبح مجتمعا منزليا، لكنه منذ أن تكون من عدد معين من المجتمعات المنزلية، فإن المجتمع المتكون على هذا النحو صار شيئا آخر مختلف عن كل عناصره، وهذا أمر جديد ينبغي الدل عليه بكلمة مختلفة.

إذن من نافلة القول أن الأسرة من أهم عوامل التربية والتنشئة الاجتماعية. فالتربية الأسرية من أهم الخبرات التي يمر منها الإنسان في حياته. ودور الأسرة الحاسم في تشكيل سلوك الطفل وبناء شخصيته من القضايا القليلة التي لا يختلف بشأنها الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون والتربويون.

والأسرة لا تشكل سلوك الطفل وقدراته في مرحلة الطفولة الأولى فقط، بل في مراحل النمو بأكملها، وإذا كانت تحدد وترسم ملامح نموه في مرحلة الطفولة، فهي تحدد كذلك مدى استقلاليته ومفهومة لذاته في مرحلة لاحقة، ومدى شعوره بالطمأنينة وتحقيقه لذاته، ووضوح أهدافه في مرحلة لاحقة.

فالأسرة تبعا لذلك هي الوحدة الأساس في كل المجتمعات البشرية بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية وهي لا تعمل على تلبية حاجيات الطفل الأساسية من مأكل وملبس ومأوى فحسب ولكنها تلبي حاجياته الإنسانية الحياتية الأخرى. كالحاجة إلى الانتماء والحب، وتنقل عبر الأجيال التقاليد والقيم الثقافية والروحية والأخلاقية.

إنها أشبه ما تكون بعملية تعليم مشروطة يتم الربط فيها ما بين الأشكال والأنماط والقوالب السلوكية التي يرغب في أن ينشأ الطفل عليها والتي تكون تجسيدا لثقافة المجتمع وحضارته وبين الاشباعات الضرورية واللازمة له عضويا وتسمى هذه العملية بالتنشئة الاجتماعية فبواسطتها تتحقق استمرارية قيم الجماعة. فاحتلت بذلك مكانة مهمة لم تحتلها أية مؤسسة اجتماعية أخرى عبر المادة التاريخ فيما يتعلق بالتنشئة، فقد تولت تعليم الأطفال وإعدادهم للمستقبل.

إلا أن التطور الذي عرفته المجتمعات جعل الأسرة في مفترق الطرق وتغيرت بذلك الأدوار التربوية للأسرة حيث سلبت المجتمعات الحديثة الأسرة وظائفها تدريجيا، فوظائف الأسرة في القديم كانت واسعة تشمل معظم شؤون الحياة. والمجتمعات الحديثة أخدن تنتقص شيئا فشيئا هاته الوظائف وهذا ما نراه في كلام كونت حول الأسرة في درس 48 من دروس مفصلة الفلسفة الوضعية عام 1839 حيث يقول :

«إن الإصابات الخطيرة التي تصاب بها هذه المؤسسة مباشرة اليوم ينبغي النظر إليها بوصفها من أشد أعراض ميلنا الاجتماعي العابر إلى الفوضى، إلا أن انتقادات كهذه، وهي تتمة طبيعية للغلو الحتمي للفكر الثوري المتصل بفوضانا الفكرية، ليست بوجه خاص خطيرة حقا إلا بسبب العجز الراهن الشديد للمعتقدات التي مازالت ترسى عليها، وحدها الأفكار العائلية على غرار كل التصورات الأخرى. » وهذا دليل على بداية التحولات داخل الخلية الأسرية مع بداية عهد التصنيع، وظهور المجتمع الصناعي، إلا أنها تبقى المؤسسة الأكثر أهمية في النظام الاجتماعي وهو ما يؤكده كونت في درسه 50 حيث يرى على أن الوحدة الاجتماعية الحقيقية تكمن يقينا في الأسرة وحدها وأنها هي البدرة الضرورية لكل الاستعدادات الأساسية التي تميز الجسم الاجتماعي العضوي.

ورغم هذه التحولات العميقة التي عرفتها الأسرة. تظل الإطار العام الذي يغطي جميع الأدوار الاجتماعية المختلفة التي يلعبها الفرد على مسرح الحياة. وهي الأساس الذي يحيط باستجابات الفرد المختلفة اتجاه بيئته التي يعيش فيها. وكل تقصير في أحد أدوارها يؤدي إلى اضطربت ونفسية وسلوكات شاذة تدفع بالطفل نحو الضياع والانحراف والتشرد.

فالأسرة إذن عبارة عن منظومة تتكامل داخلها الأدوار والتفاعلات كوحدة وظيفية لا يمكن أن تمارس وظائفها إلى في إطار الاستقرار النسبي، فهي المؤسسة الأولى التي تضمن للطفل نموا، وتطبيعا اجتماعيا، وتمارس أول مراقبة لسلوكه.

ودور الأسرة سلطوي ويحدد بطريقة محددة مستقبل الطفل، والأسرة تمارس على الأطفال نموذج مقترحا ثقافيا خاصا، وهذا صحيح لكل أنواع المجتمعات كيفما كانت تقليدية أو ذات تصنيع عالي. ولفهم الأدوار التي تقوم بها الأسرة ينبغي أن نذكر بأن الأسرة نظام اجتماعي يشتمل على أربع مكونات رئيسية:

1- المصادر : وتشمل الوسائل المتاحة للاسرة لإشباع الحاجات الفردية والجماعية لأفرادها.

2- التفاعل: تمثل العلاقات بين أفراد الأسرة وباقي أعضاء المجتمع.

3- الوظائف: وهي كل الحاجات التي تتحمل الأسرة مسؤولية تلبيتها.

4- السيرورة: إنها سلسلة التغيرات التي تلحق بالأسرة.

وبتكامل هاته الأدوار يمكن للأسرة أن تؤدي دورها المنوط بها، ويشعر أفرادها بالارتباط الأسري والعاطفي القوي من جهة وبالاستقلالية والخصوصية من جهة أخرى. مما يقلل نسبة التفككات العائلية التي تؤثر على سلوك الطفل باعتبارها اللبنة الأولى التي يتعامل من خلالها الطفل، ويبدأ تكوين ذاته والتعرف على نفسه عن طريق عملية الأخذ والعطاء والتعامل بينه وبين أعضاءها.

ويؤثر المركز الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في شخصية الطفل تكوينا واتجاها. فالأسرة ذات المستوى الاقتصادي العالي تتيح لأطفالها فرص التمتع بالخدمات الاجتماعية المختلفة بسهولة ويسر مما يؤدي إلى أن تستغل طاقات هؤلاء الأفراد وقدراتهم إلى أقصى حد ممكن، بينما يكون المركز الاقتصادي والاجتماعي المتدهور عائقا أمام تمتع أفراد هذه الأسر بالخدمات الاجتماعية وخاصة التعليمية منها.

ودور الأسرة نحو الطفل يتمثل في ثلاث وظائف أساسية هامة في المجتمع:

1- إنها تنتج الأطفال وتمدهم بالبنية الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية.

2- إنها تعدهم للمشاركة في حياة المجتمع وفي التعرف على قيمه وعاداته.

3- إنها تمدهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.

إلا أن التغيرات التي طرأت على الأسرة جعلتها مقسمة بين تيارين تيار الجيل القديم والتيار الجديد، مما أدى إلى تنافر بين الآباء والأبناء، ونتج عن ذلك نضال فكري يتضح في ثورة الجديد على القديم، ولا شك في أن التربية تقوم بدور أساسي في تعريف الجيل القديم بما تحقق من تطور وبالطرق التربوية الحديثة التي يجب أن تسود معاملات الآباء للأبناء في هذا العصر الذي يحس فيه الجيل الجديد بنوع من الاستقلالية والشخصية الانفرادية.

إن تبني الآباء لمواقف متطرفة ومتعصبة في تعاملهم مع الأبناء كالإفراط في الحماية، والرفض والإهمال، أو قساوة المعاملة، غالبا ما يقود إلى عدم النضج وافتقار الشخصية إلى التكامل، فحماية الطفل بشكل مفرط بدون مبرر. هي في الواقع حرمان له من فرص ضرورية للنمو والتكيف والقدرة على مواجهة تحديات مصاعب الحياة اليومية.

كما أن الإهمال والرفض والعنف لا يولد إلا السلوكات الشاذة. ومن جهة أخرى فخلافات الوالدين لها تأثيرات كبيرة على نمو شخصية الطفل واكتمالها، كما أن التشاجر بين الزوجين أمام مرأى الأطفال وباستمرار يولد لدى الطفل شعورا بالقلق والتوتر ويكونون أقل قدرة على التعامل مع مشاعرهم وسلوكهم وميولاتهم.

فالجو الأسري السلبي عموما وكيفما كانت الأسباب يقود إلى مشكلات سلوكية عالية من الضيق النفسي، وتبين أن الخلافات الزوجية، في مرحلة ما قبل المدرسة، تترك تأثيرات طويلة الأمد تستمر إلى مرحلة متقدمة من العمر، يكون الأبناء أقل قدرة من غيرهم على بناء علاقات اجتماعية ايجابية مع المحيط ومع الآخرين، وأقل قدرة على ممارسة الضبط الذاتي، ورغم أن الخلافات والمشاجرات بين الزوجين عملية طبيعية في الحياة الأسرية مادامت في حدود معينة إلا أن الصراعات الدائمة بين الزوجين التي تحدث على مرأى الأطفال الصغار قد تكون لها انعكاسات سلبية على الأطفال.

فالروابط الأسرية إذن هي نتائج تفاعلات معقدة بين جملة من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتحدد ترابط الأسرة على ضوء عوامل داخلية وخارجية، فالمحيط الاجتماعي له تأثير كبير على الوسط الأسري، إذا كانت الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع. وأساس وجوده. فالمجتمع هو الذي يشكل وينظم نمط الأسرة ووظائفها، أما العوامل الداخلية والتي تشمل طرق استجابة أفراد الأسرة كل منهم للآخر ومدى إشباعهم لحاجاتهم بشكل تبادلي ومستوى الانسجام والتجانس فيما بينهم، فإنها لا تقل أهمية من العوامل الخارجية على صعيد تحقيق الترابط، والحياة الأسرية بما تتضمن من تفاعلات مستمرة بين عدة مستويات وأطراف متفاوتة من الاعتماد المتبادل، قد تنطوي على صعوبات مختلفة مثلما تنطوي على الشعور بالأمن والانتماء، والنتائج المحتملة كوحدة وظيفية أصبحت أكثر وضوحا من ذي قبل.

أضف إلى ذلك التحولات التي تعرفها الأسرة اليوم في مجتمعنا، تحولها من الأسرة الممتدة إلى النووية يستغرق وقتا طويلا. وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية مزرية، سيكون الثمن المدفوع لذلك، هم الأطفال، عكس ما حدث بأوربا ، حيث تزامن التحول مع بداية التصنيع.

ولذلك فإن تحول الأسرة اليوم يتزامن مع عصر العولمة والأزمات الاجتماعية الحادة، والنمو الديموغرافي السريع، سيؤثر بدون شك على البنية الأسرية، وسيجعلها عرضة للأزمات أكثر من أي وقت مضى ويؤدي بالتالي إلى تردي دورها التربوي وإلى ظهور حالات طفولة شاذة.



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى