المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفاعل إندماج الأول في العالم مشروع Inter



linnou
11-07-2013, بتوقيت غرينيتش 05:27 AM
تبذل فرنسا الآن جهوداً حثيثة لإنشاء مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي الدولي ( Iter )، والذي من المفترض أن يثبت إمكانية استخدام الاندماج النووي في تشغيل محطات الطاقة النووية. كثيراً ما يُـقدَّم هذا النوع من المفاعلات باعتباره الحل بعيد الأمد لمشكلة الاحترار العالمي، وذلك لأن الاندماج الحراري سوف يشكل مصدراً نظيفاً وغير محدود للطاقة. إلا أن الحقيقة غير ذلك.

في التفاعلات الانشطارية التي يعتمد عليها توليد الطاقة النووية اليوم، تتكسر العناصر الثقيلة مثل اليورانيوم إلى عناصر أصغر، بينما في الاندماج النووي تلتحم العناصر الصغيرة مثل الهيدروجين لكي تشكل عناصر أثقل (مثل الهليوم). وينتج عن كل من الانشطار والاندماج كمية هائلة من الطاقة.

ويشرح مفصل لنا بعض الزعماء السياسيين كيف أن الاندماج النووي يحدث في الشمس، وكيف سيصبح بوسعنا تسخير طاقته بفضل المفاعل النووي التجريبي. وكثيراً ما يضيفون إلى ذلك أنه ما دام الاندماج يحرق الهيدروجين الذي يمكن استخراجه من ماء البحر، فهو بهذا يشكل مصدراً غير محدود للطاقة.

من المؤسف أن الزعماء السياسيين يعرفون القليل عن الجوانب العلمية التي يشتمل عليها هذا الأمر. فمن المعروف منذ اختراع القنبلة الهيدروجينية أن الاندماج النووي يشكل مصدراً للطاقة. إلا أن السيطرة على هذا النوع من الطاقة ما زال يشكل تحدياً جوهرياً للمعاهد البحثية، وليس مجرد صعوبة فنية بسيطة يمكن التغلب عليها بسهولة.

إن احتواء شمس صغيرة داخل صندوق يشكل مهمة بالغة التعقيد والصعوبة، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية. الأول أن الوقود النووي ليس ماء البحر، بل عبارة عن مزيج من نظيرين مشعين ثقيلين من نظائر الهيدروجين، الديوتيريوم والتريشيوم، والأخير عنصر مشع أنتج بكميات صغيرة لاستخدامه في القنبلة الهيدروجينية. وأي تطوير لمفاعلات الاندماج سوف يتطلب إنتاج التريشيوم بطرق صناعية ما زال علينا ابتكارها.

السبب الثاني أن التفاعل الناتج عن اندماج الديوتيريوم والتريشيوم يبدأ عند حوالي مائة مليون درجة. وبلوغ مثل درجة الحرارة هذه يتطلب استخدام مغنطيس لتسريع البلازما (الغاز المؤين) الذي هو عبارة عن لهب ضخم مؤلف من نوى الديوتيريوم والتريشيوم. ولابد وأن تتم هذه العملية في خواء تام وفي غرفة ضخمة. فضلاً عن ذلك فإن المفاعل التجريبي ليس مصمماً لإنتاج الطاقة الكهربية، بل لدراسة درجة استقرار اللهب في المغناطيس. وبما أن تفاعل الاندماج ينتج جسيمات ألفا، التي تلوث البلازما، فلابد من إيلاج "محول" داخل اللهب الذي تبلغ حرارته مائة مليون درجة من أجل تنظيفه. وحتى الآن لم يتمكن أي إنسان من إنجاز هذه العملية، وقد يتسنى للمفاعل التجريبي أن يحاول هذا بحلول العام 2030 ـ هذا على فرض رائع تمكن العلماء من حل المشكلة السابقة.

السبب الثالث أن الاندماج يقذف أيضاً بنيوترونات تؤدي إلى تكوين فقاقيع من غاز الهليوم داخل المادة الجدارية، والتي تميل إلى الانفجار. ويزعم مؤيدو مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي أن هذه الفقاقيع سوف تتمكن من الإفلات إذا ما كانت الجدران نفاذة. إلا أننا لا نستطيع أن نصنع مادة مانعة للتسرب ونفاذة في ذات الوقت، والمفاعل التجريبي ليس مصمماً لدراسة هذا التضارب. في المستقبل لابد من إدخال "دثار عازل" بين البلازما والجدران، وذلك لهدفين: حماية الجدران الخارجية، وإنتاج التريشيوم من التفاعلات النووية داخل سائل متحرك يحتوي على مادة الليثيوم. وقد تنجح هذه الفكرة، إلا أن الجدار الأول من "الدثار العازل" لا يكفي أن يكون مانعاً للتسرب ونفاذاً في ذات الوقت، بل لابد وأن يكون نفاذاً للنيوترونات أيضاً، والتي لابد وأن تضرب ذرات الليثيوم خلفه.

إن مشكلة المواد تمثل حقلاً بحثياً قائماً بذاته. ومن أجل دراسة هذه المشكلة تقرر بناء المنشأة الدولية لدراسة إشعاع مواد الاندماج ( Ifmif ) في اليابان. ولقد زعم بعض العلماء أن الإشعاع النيوتروني في هذه المنشأة لن يكون مماثلاً لنظيره في مفاعلات الاندماج، ولكن من الجدير بالذكر أن تكاليف المنشأة، التي ستبلغ ألف مليون يورو، سوف تكون عشر تكاليف مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي.

لماذا لا ننتظر إذاً نتائج المنشأة الدولية لدراسة إشعاع مواد الاندماج قبل إنشاء مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي؟ الأمر كله يتوقف على الميزانية. وإذا ما تمكن مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي حقاً من حل مشكلة الطاقة على كوكب الأرض، فإن عشرة مليارات يورو سوف تشكل استثماراً ضئيلاً ـ أقل من صافي أرباح شركة "توتال" للنفط (13 مليار يورور في العام 2014)، ومساوٍ لتكاليف عشرة أيام من الحرب في العراق.

ولكن إذا ما كان النجاح في استخدام الاندماج النووي في محطات توليد الطاقة الصناعية أمراً وارداً، فإن هذا سوف يستغرق عدة عقود. وحتى إذا ما كتب النجاح لمفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي، وإذا ما تمكن العلماء من حل المشاكل المتعلقة بالتريشيوم والمواد الأخرى، فلابد من اختبار رائع كل شيء بحجمه الحقيقي، وآنذاك فقط يصبح من الممكن بناء النموذج مقترح الأولي لمفاعل نووي صناعي يعمل بالاندماج النووي الحراري. إن تقليص معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون يشكل أولوية قصوى، إلا أن الاندماج النووي ليس من المرجح أن ينتج الطاقة الكافية لتحقيق هذه الغاية قبل القرن الثاني والعشرين.

الحقيقة أن مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي يُـعَـد أداة هائلة للبحوث الأساسية، وعلى هذا فإن تكاليفه التي تقدر بحوالي 500 مليون يورو سنوياً لابد وأن تقارن بمشاريع علمية مشابهة، مثل المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية ( Cern )، والتي تتكلف حوالي ألف مليون فرنك سويسري سنوياً. وفي اعتقادي أن البحث في البنية الأساسية للجزيئات يشكل أهمية أعظم كثيراً من أهمية دراسة استقرار البلازما.

في فرنسا تتجاوز المساهمة في إنشاء مفاعل الاندماج النووي الحراري التجريبي الدولي كل الأرصدة المتاحة للمشاريع البحثية في كافة المختبرات الفيزيائية. أي أن الخطر هنا يتمثل في أن يؤدي مشروع المفاعل التجريبي إلى استنزاف الأرصدة اللازمة لمشاريع بحثية حيوية أخرى. وما زلنا نتذكر تلك التجربة السيئة بالفعل، وهي المحطة الفضائية الدولية، التي أهدرنا في بنائها مائة ألف مليون دولار أميركي ولم تقدنا إلى أية نتائج علمية.

إن مفاعل الاندماج النووي التجريبي لن يحل مشكلة الطاقة. وعلى الرغم من اهتمام هذا المشروع بالخواص الفيزيائية للبلازما، إلا أن الدول المشاركة في الشروع لابد وأن تقرر بكل وضوح أن تمويل هذا المشروع لن يؤثر على الجهود البحثية الأخرى في تلك الدول. وفي نفس الوقت يتعين على المجتمع الدولي أن يدعم الأبحاث في مجال ادخار وتخزين الطاقة، وأن يحرص على التعجيل بتنمية الجيل الرابع من المفاعلات النووية، والتي ستستخدم الانشطار النووي في منشآت نظيفة وآمنة وذات قدرة عالية على التحمل والبقاء.



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى