المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياه العرب الاجتماعية والفكرية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر



said
11-02-2013, بتوقيت غرينيتش 01:58 AM
تمهيد
هذا البحث مقتبس من دراسة علمية عنوانها (القبائل مادة اللغة العربية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي) وهي تبحث في جوانب مادة التاريخية وحضارية مهمة ، وتسعى إلى التعرف على شتى نواحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في تلك المناطق.
ولم يكن ذلك ممكناً لو اقتصرت تلك الدراسة على تواريخ المشاهير من الحكام والولاة وتدوين آثارهم، ولكنها تجاوزت ذلك إلى الغوص في أحوال الشعوب ، والالتفاف حول شؤون الحياة المعاشة وحوادثها ومؤثراتها ، فاكتسبت الدراسة تنوعاً شمولياً يتمركز حول حياه القبائل مادة اللغة العربية باعتبارها الشعب الجديد الذي فتح خُراسان ، ونشر الإسلام فيها ، واستقر في حواضرها ، فصبغها بالصبغة مادة اللغة العربية الإسلامية ، وجعل مواطنه هناك مراكز للتعريب انتشرت منها اللغة إلى أقاليم عدة، وقواعد صلبة انطلقت منها الجيوش الفاتحة إلى بلاد ما وراء النهر ؛ حتى نتج عن ذلك إنشاء مراكز استقرار أخرى ومواطن تعريب جديدة، وقواعد متعددة تؤمن العمليات الجهادية المنطلقة شرقاً إلى حدود الصين .
وكانت القبائل هي صاحبة الحركة الحيّة الفعّالة في المادة التاريخ الخُراساني أبـَّان العصر الأموي ، فمنها المستوطنون الجدد، ومنها القادة والولاة والأمراء والقضاة والعلماء والشعراء ، ومنها أصحاب الثورات والفتن .
وحدث التأثير المتبادل بين القبائل مادة اللغة العربية وسكان البلاد الأصليين لكن العرب لم يلغوا انتماءهم ، بل هو قد اتسع وتنوَّع ، فانتموا إلى الأصول مادة اللغة العربية الكبرى حين ابتعدوا عن مواطنهم الأولى ، كما انتموا إلى الخُطط التي عرفوا بها مع انتمائهم إلى المدن والقرى التي يعيشون فيها ، في خُراسان وبلاد ما وراء النهر ، وكل ذلك في ظل الإسلام وفي دائرة فلكه، كما أنَّ سكان البلاد الأصليين لم يلغوا انتماءهم إلى أمصارهم وأقاليمهم لكنهم عرفوا مع ذلك نظام المعاهدة التي أصبحوا بموجبها منتمين إلى القبائل مادة اللغة العربية حلفاً، بدون تمايز طبقي يفرق بين المحالف والحليف ؛ لأن الإسلام يمنع ذلك ويرفضه، بعكس نظام حلف العرب الجاهلي الذي يقر الطبقية بين المتحالفين.


وانعكست آثار الاحتكاك بين العنصرين العربي والعجمي على جوانب عديدة في حياة خُراسان وبلاد ما وراء النهر ، فتعددت المباحث اللازمة لهذه الدراسة ، واتسعت مع مراعاة الحوادث السياسية، وتتبع المطاعن الكثيرة التي وُجّهت إلى مادة التاريخ تلك الفترة لبيان أنَّ ما قيل عن اضطهاد العرب لسكان البلاد الأصليين (الموالي) ما هو إلا مجرد وهم وافتراء جاء إمَّا نتيجة للانسياق وراء الفكر الشعوبي أو للتأثر بالدراسات الاستشراقية غير المنصفة .

فالعرب لم يحرموا الموالي من المناصب، ولا الموالي منعوا من العطاء، أما اللَّبس الحاصل بشأن الضرائب فهو نتيجة للخلط بين مفهومي الخراج والجزية ، وعدم التمييز بينهما ، أو هو مغالطة مقصودة للـتأكيد على ظلم العرب للموالي ، مع تجاهل أن العجمي ( المولى ) قد ظل مساوياً للعربي في المنزلة والعطاء والرزق، وأنَّ من يحاول أنْ يحرم الموالي من عطائهم يكون عرضة للعقوبة والجزاء، وكل ذلك قد تمت مناقشته في هذه الدراسة وبيانه ، مع إيضاح أنَّ الأرض الخراجية تظل خراجية سواءً كان صاحبها مسلماً أو كافراً عربياً أو عجمياً ، أمَّا الجزية فلم يُعرف في مادة التاريخ خُراسان وبلاد ما وراء النهر في عصر بني أمية أنها أخذت ممن أسلم ، وحين حاول أشرس السلمي فرض رائعها بمشورة من بعض العجم أنكرها العرب والعجم على حد سواء.
وكذلك فإنه لا يوجد سند مادة التاريخي لما يقال عن وجود تمايز طبقي رفع العرب بموجبه أنفسهم عن الموالي ،فلم تشر المصادر المادة التاريخية الموثوقة إلى ذلك ولا الدراسات المنصفة ألمحت إليه، وليس ما ورد في بعض الحوادث الفردية مما يصلح لأن يكون حكماً عاماً تبُنى عليه الأسس العلمية للبحوث، كما أن مصادر الأدب وأخبار الظرفاء والشعراء التي أوحت بالتمايز ،وألحت في بيان الفارق الطبقي في مسألة المعاهدة لا يركن إليها في البحوث المادة التاريخية ، فهي إمَّا قصص تعتمد الخيال ،أو تسلية تنـزع إلى التشويق من خلال المبالغة والتهويل.
كما أنَّ أحكام بعض الباحثين قد أغفلت النفسية مادة اللغة العربية البدوية حين مناقشة رفض العرب الأصهار إلى الموالي، ونسيت العادة التي تمليها أنفة العربي من الأصهار إلى بعض الأقوام ،حتى ولو كانوا من بني جنسه العرب، تلك الأنفة التي تتضح حينما يكون العربي قريباً من بداوته ،وتكاد تتلاشى حين يتحضر وتتشبع روحه بالإيمان، وغفلت أيضاً عن أن أنفة العرب هذه لم تمنع من وجود مصاهرات عديدة بين العرب والعجم ،كان من نتيجتها أن عدداً من مشاهير العرب في خُراسان ينتمون إلى أمهات أعجميات(1).
ومن الافتراءات المضللة ما ورد بأن الموالي في خُراسان وبلاد ما وراء النهر قد انشبوا عدداً من الثورات تمرداً على الحكم العربي الإسلامي في عهد بني أمية ، بما معناه أن الإيمان لم يدخل في قلوب أولئك القوم ، وقد بينّت الدراسة أن هذا الزعم مرفوض، واشتراك بعض الموالي في ثورة الحارث بن سريج التميمي لا يعني أنَّ هذه الثورة خاصة بهم، فصاحبها عربي صليبة ، وكما انضوى تحت لوائها أناس من الموالي فإنَّ أقواماً من العرب قد اشتركوا فيها، وكذلك الشأن فيما يعرف بثورة الموالي أثناء إمرة أشرس السلمي ، فقد كانت عربية عجمية، أما ضعف إيمان أولئك القوم فمردود بكون منطقة خُراسان وبلاد ما وراء النهر أسرع الأقاليم الإسلامية المفتوحة تعرباً ، ومن أقواها تعمقاً في الدين ؛ حتى غدا أهلها مصادر يتلقى عنهم الناس في العراق والشام ومصر العلوم الشرعية، وبرز فيهم مشاهير في القضاء والفتيا.
وبيَّنت هذه الدراسة أيضاً أن الدعوة العباسية قد نمت بين ظهراني العرب وأنَّ دعوى أنَّ الموالي ثاروا على الحكم الأموي بتبنيهم الدعوة العباسية دعوى متهافتة، وفرية رددها كثير من المؤلفين، ووردت في مصنفات عدة يباهي بعض أصحابها بأنها تعتمد على المنهجية العلمية والموضوعية في البحث ، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، إذ كيف تكون موضوعية وهي تصطدم بالأدلة والوقائع المادة التاريخية التي تمَّ بيانها في هذا البحث بعد استقائها من مظانها الأصلية، وبعد بيان أن الحنق والضيق اللذين قيل أنهما يحيطان بحياة الموالي ودفعاهم إلى الثورة إنما ضُخم أمرهما كتضخيم أمر العصبية القبلية ؛ نفاذاً إلى القول بأن الموالي رفضوا الظلم العربي المطبق المزعوم ، فأقاموا دولة بني العباس بمظهر فارسي على أنقاض الدولة الأموية ذات المظهر العربي ، مع تناسي وتجاهل الدور الرئيس الكبير للقبائل مادة اللغة العربية في قيام الدولة العباسية، ذلك الدور الذي تحملته القبائل مادة اللغة العربية بشقية الفكري والعسكري فقام بالنشاط الفكري زعيم النقباء سليمان بن كثير حتى نمت الدعوة في خُراسان وترعرعت ،يسانده في ذلك النقباء العرب(2) وقام بالنشاط العسكري قواد عرب ساروا بالجيوش لهدم الدولة الأموية وفي مقدمة هؤلاء قحطبة بن شبيب وابنه الحسن.
وهكذا فإن كثيراً من الأحكام التعميمية التي أخذت على أنها مسلمات في مادة التاريخ العرب في خُراسان كموضوع العصبية، ودور العرب والموالي في الحوادث السياسية احتاجت إلى كثير من المناقشة المتأنية، وإعادة النظر للوصول إلى تنقية مادة التاريخ تلك الفترة مما علق به من شوائب ،ومما ألصق به من المفتريات التي تلقفها كثير من أصحاب المصنفات العلمية على أنها وقائع ثابتة لا تقبل الجدل.
وكل هذا تمت مناقشته في هذه الدراسة ، وهي رسالتي لدرجة الدكتوراه التي نشرتُ وما زلت أنشر فصولاً مطولة منها في مجلة الدرعية ،وأخرى في هذه المجلة مع ما رأيت إضافته إليها، أمٌا الموضوع الذي أناقشه الآن فهو جزء من فصل في الدراسة يحمل اسم ( حياة القبائل مادة اللغة العربية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر) وكان مكوناً من أربعة مباحث علمية في خطة الدراسة التي تقدمت بها للكلية وهي :
1- علاقة القبائل مادة اللغة العربية بالأعاجم
2- موقف القبائل مادة اللغة العربية من الحياة الجديدة وأهم الأعمال التي زاولها العرب
3- موقف القبائل مادة اللغة العربية من الفتن المذهبية
4- شعر القبائل مادة اللغة العربية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر وأثر اللغة والأدب العربيين في تلك البلاد.
وعند عرض الخطة على القسم المختص في الكلية رأى أعضاؤه إضافة مبحثاً خامساً هو (جهود العلماء العرب في خُراسان وبلاد ما وراء النهر في الدراسات الشرعية)
وقد نشرتُ هذا المبحث في مجلة الفيصل , واتطلع إلى نشر المبحث الأول عن (علاقة القبائل مادة اللغة العربية بالأعاجم) والمبحث الرابع وهو( عن شعر القبائل مادة اللغة العربية في خرا سان وبلاد ما وراء النهر وأثر اللغة والأدب العربيين في تلك البلاد) لاحقاً في إحدى المجلات المتخصصة.
أما المبحث الثاني والثالث فهما عنوان هذا الموضوع الذي وضعت له العنوان التالي : (حياة العرب الاجتماعية والفكرية في خرا سان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي) فإلى القسم الأول منه وهو:
1) موقف القبائل مادة اللغة العربية من الحياة الجديدة ، وأهم الأعمال التي زاولها العرب في خُراسان وبلاد ما وراء النهر
دخل العرب المسلمون أرض خُراسان فأصبحت بلاداً إسلامية وجزءاً مهماً من ديار الخلافة وجناحاً شرقياً له وزنه السياسي والاقتصادي والثقافي، وانتمى الخراسانيون إلى الإسلام ثقافة وفكراً وإلى العرب ولاءً(3) فالخراساني معروف بالقبيلة التي يحالفها في ظل الإسلام وفي دائرته، ولا يعني هذا أنَ الخراساني أهمل انتماءه إلى أرضه أو بلدته ، فهو منسوب إليها موطناً كما هو منسوب إلى القبيلة مادة اللغة العربية حلفاً فيقال: الهروي التميمي، والبَلْخي السلمي، والمروزي الشيباني وهكذا .
وفي المقابل فإن أبناء القبائل مادة اللغة العربية قد عرفوا بخُراسان ، وشهروا في بلادهم التي أصبحوا ينسبون إليها بعد أن استوطنوها ، فيقال لهم : عرب خُراسان وجند خُراسان وبعوث خُراسان ومقاتلة خُراسان وأهل خُراسان وقبائل خُراسان وفلان الخراساني والنيسابوري والنسائي والسغدي و السمرقندي والبخاري ، ويُقال ذلك لمن سكن هذه البلاد ، ويُنسب إلى البلاد الأخرى من يسكنها من العرب الأقحاح ،
ويلاحظ أنَّ تطاول الأزمان والانصهار في بوتقة الحياة الحضرية قد جعل أهل خُراسان يغفلون الانتساب إلى القبائل ويكتفون بالانتساب إلى المدن والقرى التي يعيشون فيها ، وقد أدى ذلك إلى تقلص المظهر العربي وانكماشه.
ولم يؤد نفور العرب في بداية أمرهم من مزاولة الأعمال إلى الترفع عن الاتصال بالأعاجم والاحتكاك بهم بل ومحاكاتهم في اللبس(4) وحضور احتفالات الأعياد والمهرجانات التي يقيمونها (5) فلبس العرب سراويل الأعاجم ، وتفننوا في اختيارها ، واحتفلوا بالمهرجانات، وعيد النيروز ، وقبلوا فيها الهدايا من العجم، وكان الولاة والأهالي في ذلك على حد سواء، واشتهر من بين الولاة أسد القسري الذي كان يحضر المهرجانات الأعجمية ويسامر الدهاقين(6) .
على أنهُّ ومع ما يلاحظ من أنَّ عملية استيطان العرب في خُراسان قد بدأت منذ مطلع العصر الأموي(7) إلاَّ أنَّ مزاولة العرب للأعمال المختلفة قد بدأت ضعيفة، ولعل السبب في ذلك يكمن في أنَّ دَفْع أفواج من العرب إلى خُراسان قد قُصد به تثبيت الأمن بالدرجة الأولى ، إذ إنَّ كراهة العرب للتجمير(8) تدفع بالمدن والبلدان إلى التمرد والانتقاض على الحاميات التي يخلفها الفاتحون وراءهم، وقد لاقى المسلمون الأمرين من ذلك ؛ ولذا كان لابد من بقاء أعداد كبيرة من العرب في البلاد المفتوحة لحفظ البلاد من الفتن ومنع الثورات(9) وكان بعث العرب إلى خُراسان بعيالاتهم أسلوباً حكيماً قصد منه بث روح الطمأنينة في نفوس المقاتلين، وتفرغهم للفتوح هناك ، إذ إن انشغالهم النفسي بزوجاتهم وأبنائهم في العراق يزعزع طمأنينتهم ويشل تفكيرهم(10) .
وقد ورد في بعض وثائق الصلح أن بعض قادة الفتح طلبوا من أهل خُراسان أن يوسعوا للعرب في منازلهم(11) غير أن الملاحظ أن العرب اختاروا القرى والأماكن النائية عن المدن(12) مكاناً لسكناهم تمشياً مع أمزجتهم التي تميل إلى ذلك ، وهذا أبعدهم عن الاحتكاك المباشر بالتجار وأصحاب الصناعات والحرف اليدوية، ولعل العرب قد ألفوا تلك المقولة التي تذكر بأنه لا يصلح للعرب إلا ما يصلح للبعير والشاء، فكانوا يفضلون المفاوز القريبة من المدن ويختارونها مساكن لهم، حدث ذلك في العراق ، وحدث في خُراسان ، وكانت مفازة "أمل" بين "مرو الشاهجان" ونهر "جيحون" مركز استقرار ملائماً لطبيعة العرب فضلوه على المدن(13)، وحين عبر العرب نهر جيحون شُهرت بلدة "بيكند" بكثرة المستقرين بها من العرب وما ذاك إلا لبعدها من المياه السَّبخة الكثيرة والزراعات ، وقربها من الصحراء(14).
وقد قطع العرب النهر بالإبل(15) واشتهرت "طُخارستان" ببعض العرب أصحاب الإبل والشَاء ، ونقلوا عن موسى بن خازم عنايته بهذه الأنعام المرتبطة مادة التاريخياً بالعرب في جزيرتهم الصحراوية(16).
ويلاحظ أيضاً أن ارتباط العرب بالجندية وتبعيتهم لسجل العطاء كانت تحول بينهم وبين الالتصاق بالحرف والصناعات، فظلوا عسكراً مجندين في الحاميات، يقومون على شئون الطرق والمسالح في خارج المدن ومتأهبين للنفير العام(17).
ولم يكن العرب في معظمهم بحاجة إلى الكسب والارتزاق إذ إنَّ أرزاقهم تٌعَين لهم من قبل الدولة (18) ويشمل ذلك حتى أولادهم ونساءهم (19) وقد حرص الكثيرون على الالتحاق ببعوث خُراسان ، لكن هذا لم يدفع بهم في بداية الأمر إلى الانخراط في الأعمال الحياتية الخُراسانية من زراعة وصناعة وتجارة لما سلف من أنهم مسجلون بديوان الجندية، وحبهم للحياة النائية عن المدن، ولعدم اطمئنان بعضهم إلى استمرار الإقامة الدائمة هناك لكثرة الغزوات والحروب والثورات وأيضاً تغير الولاة وما يستتبع ذلك من تحول عدد من أنصارهم أو من قبائلهم إلى بلاد أخرى ومجيء وافدين جدد ومحاربين يختارهم الولاة بمعرفتهم أو يتعلقونهم رغبة في القرب منهم وطمعاً في المكاسب الدنيوية ، وهذا ينطبق على بعض الشعراء وذوي الحاجات(20).
ولعله لم يتح للعربي ذلك الاحتكاك الذي يمكنه من العمل مع أهل خُراسان في الزراعة والتجارة في بداية الأمر إذ إنَّ أهل البلاد الأصليين لم يسمحوا بمشاطرة الفاتحين لهم بمنازلهم ، كما أنَّ أراضيهم كانت عزيزة عليهم إلى أبعد الحدود ، فلم يكن من السهولة أن تؤول إلى العرب(21)، وهذا ينطبق على خُراسان بشكل أوضح ، إذ إن بلاد ما وراء النهر قد شهدت تحولاً جذرياً في عملية الاستيطان ، فنـزل العرب في وسط "بخارى" و "سمرقند"(22) ودفع قتيبة الناس بعيالاتهم إلى بلاد "الشاش" و "فرغانة" فالتصقوا بالأرض التصاقاً تاماً(23) .
وفي ضوء ما تقدم فإنَّ القرن الهجري الأول لم يشهد انخراطاً تاماً للعرب في الحياة الخُراسانية من حيث مزاولة الأعمال الصناعية والتجارية والزراعية ، وفيما عدا ما قيل من أن بعض العرب ضجوا من إرهاق العمال لهم في جباية خراج أراضيهم الزراعية في عام 77هـ(24) فإنه لا توجد إشارة إلى تغلغل العرب في العمل الزراعي، وحتى هذه الحادثة لا تدل على نشاط عربي زراعي ؛ لأن بُكير بن وشَّاح التميمي الذي تبناها استغلها استغلالاً سياسياً ضد أميَّة بن عبد الله الأموي والطعن في سياسته المالية(25) .
ويمكن القول : إنَّ العرب قد أقبلوا على المشاركة في النشاطات الخُراسانية المختلفة في القرن الثاني من الهجرة، وبالذات النشاط الزراعي ، يدل على ذلك كثرة القرى المنسوبة للعرب ؛ مما يوحي بأنها كانت لهم يحرثونها ويزرعونها ، ويجرون الماء في القنوات إليها ، فلبني خزاعة الأزديين اليمانيين قرى في أرض "مرو" ولتميم قرى في "طُخارستان" ولكندة اليمانية قرى ، ولقيس وبكر وتغلب قرى أخرى ورساتيق(26)، بل قد تُنسب القرى إلى أشخاص من العرب فيقال: قرية فلان كما يقال قرية القبيلة الفلانية وذلك كقرية "كَتجانة" المنسوبة إلى نصر بن سيَّار(27) .
وقد أصبحت عملية الاستيطان أكثر تنظيماً في مطلع القرن الثاني للهجرة ، حيث صار للعرب بيوت ومساكن في المدن تشرف الدولة على إقامتها وترتيبها، وذلك صنيع أسد القسري في منازل العرب بـ "البروقان" و "بَلْخ" عام 107 هـ(28) وهذا أدعى إلى أن ينصرف العرب إلى الحياة المعاشة، وينخرطوا في سبل معايشها الزراعية والتجارية والصناعية.
كما شهدت هذه الفترة اهتماماً بالإقطاعات والأملاك الزراعية نظير أرض "المُرغاب" التي منحها الخليفة يزيد بن عبد الملك لهلال بن أَحوز المازني التميمي(29).
وقد رأى العرب في خُراسان من الخيرات ونتاج الأراضي الزراعية ما لم يكونوا يألفوه، فأَثرَّ ذلك في أسلوب معيشتهم ، وزادتهم الأموال الكثيرة غنى ورفاهاً(30) وكانت خُراسان مغرية للعرب للذهاب إليها حتى إنَّ المهلَب آثر أنْ يختارها على "سجستان" وهو قد خبر الناحيتين معاً(31).
وكانت أموال خُراسان تكفي حاجة ساكنيها وتزيد ، يستنتج ذلك من المكاتبات الدائرة بين الخليفة عمر بن عبد العزيز وواليه على خُراسان ، حيث أمر الخليفة بصرف الأموال على أصحاب الأعطيات ، فصرفها الوالي على أصحابها ، وقسم الزائد في باقي الناس فكفاهم، وعُرف آل المهلب بتوزيع الأموال على الناس إلى حد السرف(32) وكان قتيبة لا يكاد يظفر بمال حتى يوزعه على المقاتلين معه(33)، وأثر عن أمية بن عبد الله الإسراف في الخيلاء والمباهاة حتى كان يقول : إن خُراسان لا تكفي لمطبخ جزائريه(34)، وأفرط بُكير بن وشَّاح وجنده التميميون في اختيار الملابس البالغة الزينة، المتعددة الألوان(35).
وكان العرب يحصلون على ما يريدون من تجار خُراسان وبلاد ما وراء النهر مع تأجيل السداد إلى ما بعد الغزوات، فعل ذلك بُكير بن وشَّاح حينما كلفه أمية بن عبد الله بغزو بلاد ما وراء النهر ، فلما صرفه عن الغزو سدد ما للتجار عنه وعن بعض أعوانه، وسدد أمية عن الآخرين بعد مقتل بكير، وكانوا قد استدانوا بأموال كثيرة(36) وهذا يقف بنا على نوع من العلاقة بين العرب والتجار من أهل البلاد الأصليين على أن حركة التجارة كانت نشطة في أيام الغزوات، وعلى نزوع العرب إلى الإكثار من شراء عدة الحرب وما إليها من لباس وأطعمة ، ولاشك أن مغانم الحرب الكثيرة كانت مما يُشجع على ذلك ، فقد وجد العرب في "بيكند" بعد الفتح من آنية الذهب والفضة ما لم يصيبوا مثله(37) وغنموا في "البحيرة" أموالاً أعجزت المحصين لكثرتها(38) وأجاز نصر بن سيار لأحد عماله بأن يحمل معه إلى الشام هو وآل بيته ما بدا لهم ، فحمل بعضهم ألف ألف وأكثر من هذا القدر، وأعدَ ذات مرّة ضروباً من التحف النفيسة والهدايا الثمينة، كما أمر بصنع تماثيل الظباء ورؤوس السباع والآياييل(39) وكتب إليه الوليد بن يزيد كتاب كاملاً يستهديه أباريق من ذهب وفضة ، وأن يصطحب معه البزاة والبزازين الفارهة(40).
وكان من الطبيعي أن يتعلم أهل خُراسان لغة العرب الفاتحين لغة القرآن ، وأن يعلموها أولادهم ؛ لأنها لازمة في أمور الدين والدراسات الشرعية ، وقطع أهل خُراسان شوطاً كبيراً في علوم اللغة وآدابها ، حتى غدوا من أساطينها(41) واحتك العرب باللغتين الفارسية والتركية فتعلمها بعضهم وروي أن أحد بني باهلة المحاصرين لـ (كمْرجَة) كان يتكلم التركية(42) وأثر عن أحد بني تميم أنه كان يعرف الفارسية ، فكان ترجماناً بين الفرس وأحد الموالي من الأتراك الذين يتكلمون مادة اللغة العربية(43) وكان الكرماني الأزدي يتكلم الفارسية(44) وفي هزيمة أسد القسري في أرض "بَلْخ" عام 119هـ تغنى الصبيان بشعر بالفارسية فقالوا:
أز خُتلان آمديه
بروتباه أمديه
آبار بارز آمديه
خُشنك نزار أمديه(45)
ولقَّب العرب سعيد بن عبد العزيز والي خُراسان بـ "خُذينه" لأن ملك "أبغز" سأل عنه فقال "خُذينيه لمتيه سكينه"(46).
وقد انصرف بعض العرب إلى اللهو واللذات في خُراسان ، واشتهر أبو الهندي الشاعر التميمي بالعكوف على الشراب(47).
وكان في "ترمذ" أيام موسى بن خازم حانات خمر يأوي إليها بعض العرب(48) وحين تورط بعض جنود قتيبة في الخمر قتل بعضهم حفاظاً على جنده(49) وكذا فعل وكيع بن حسان ابن أبي سود التميمي ، وقريباً من ذلك صنع عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة(50) وأثر عن بعض العرب ولعهم بالصيد في الأراضي الخُراسانية وبرز في ذلك الشَّمردل بن شريك التميمي(51).
2) موقف القبائل مادة اللغة العربية من الفتن المذهبية
ضمّت الأرض الخُراسانية أجناساً متعددة وقوميات متباينة ، فكان فيها العرب والفرس والأتراك ، كما كان فيها عدد من الديانات والعقائد المختلفة ، فبالإضافة إلى الإسلام كان هناك مجوسية ويهودية ونصرانية(52) ومن الطبيعي أن تكون هذه البيئة من أنسب الأماكن لظهور الفتن المذهبية ونموها ، بل وقد يأوي أصحاب المذاهب إلى خُراسان لتباين قومياتها ووجود عدد من الأديان بها ولبعدها أيضا عن دار الخلافة الإسلامية(53) ولم يكن اعتباطاً أن يختار العباسيون خُراسان موطناً لبث دعوتهم في عام 100هـ ، وذلك حين بعث محمد بن علي بن عبد الله بن عباس محمد بن خنيس وأبا عكرمة السراج وحيّان العطار ليبثوا الدعوة هناك(54) .
وقد أثمرت الدعوة لآل العباس في خُراسان حتى إن داعيتهم زياداً أبا محمد مولى همدان أقام بـ "مرو" شتوة يفد الناس فيها عليه ويدارسونه ، وذلك في عام 109 هـ ، وكان أبرز المناصرين له يحي بن عقيل الخزاعي من قبيلة الأزد الكهلانية اليمانية(55) .
وفيما بين عام 100 هـ وابتداء أمر أبي مسلم الخُراساني في عام 129 هـ ظهر نشاط للدعاة أشده في عام 107 و 109 هـ أثناء ولاية أسد بن عبد الله القسري الأولى وفي عام 118هـ أثناء ولاية أسد الثانية(56) وفي هذا العام الأخير انحرف الداعية العباسي في خُراسان عما مضى عليه أسلافه من الدعوة للرضا من آل البيت ، واسم هذا الداعية عمّار بن يزيد بعثه بكير بن ماهان والياً على شيعة بني العباس ، لكنه ما لبث أن غيرَّ اسمه وتسمى بخدّاش ، وغيرَّ ما دعا الناس إليه ، وأظهر دين "الخرَّمية" ورخص للناس في نساء بعض فيما يقال ، وبلغ من جرأته في ذلك أن أخبر الناس بأن ما يدعو إليه أنما هو بأمر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس(57).
ولم تلق دعوة خدَّاش قبولاً من القبائل مادة اللغة العربية في خُراسان وأوصى أسد القسري إلى يحى بن نعيم الشيباني البكري الوائلي بأن يقتله فقتله بـ "آمل" وصلبه (58).
وبعد موت خدَّاش لم تجد بدعته من يتبناها أو ينحو منحاها ، بل هي قد ماتت بموته ، كما أن الدعوة العباسية قد اتجهت من بعده إلى وجهتها الصحيحة، وقد جاءت فتنة خدَّاش أبّان حركة الحارث بن سريج التميمي الذي يقول بالأرجاء(59) لكن الأرجاء لم يعد آنذاك مذهباً مستقلاً متميزاً بآراء تحدد معالمه وتبين جوانبه، كما أن ابن سريج لا يعد من أعلام الإرجاء البارزين بالرغم من قوله بالإرجاء وإشعاله لثورة خطيرة امتدت فترة طويلة من الزمن زعزعت فيها الأمن وهددته مراراً كثيرة(60).
وكما أن مذهب الإرجاء غير متميز في ذلك الوقت فإنَّ صاحبه في خُراسان الحارث بن سريج غامض في تصرفاته ، فهو يدعو إلى تحكيم كتاب كامل الله وسنه نبيه في الحياة وإقامة العدل ، ويستعين مع ذلك بالمشركين على قتال المسلمين(61) ومن الواضح أنَّ حركة ابن سريج قد اختلط فيها الفكر بالسياسة ، واكتنفها ما يدخل في حركات الفتن من الطموح وحب الظهور الشخصي ، والرغبة في الانتقام والمطامع ،والناظر في أمر هذه الحركة يلحظ أيضاً أنها لم تكن ثورة للموالي ضد الحكم أو التسلط العربي الذي يمثله بنو أمية وولاتهم في خُراسان(62) فصاحب هذه الحركة عربي صليبة مجاشعي حنظلي من تميم ، وثابت قطنة المشهور بالإرجاء عربي صليبة أيضاً من الأزد الكهلانيين اليمانيين ، ووهم من عده من الموالي(63).
ومن غريب ما قيل في أمر المرجئة أنها لعبت دوراً هاماً في التوفيق بين المصالح المتعارضة بين العرب وغيرهم من المسلمين حين تطور النزاع بين الأحزاب والطوائف ، وحلت مشكلة اجتماعية جديدة في الدولة الأموية ، وهي موقف العرب من المسلمين الجدد ، فقد ذهب المرجئة إلى القول بأنه لا يحل للحكومة أن تعامل هؤلاء كما لو كانوا لا يزالون على كفرهم بعد أن أصبحوا مسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ، وهذا القول ورد في بعض المباحث الحديثة(64) وهو منقول عن الدراسات الاستشراقية(65).
وقريباً مما تقدم ورد أيضاً "أن بني أمية لم يضطهدوا المرجئة كما اضطهدوا المعتزلة والخوارج والشيعة ، بل هم قد استعملوا من عرف بالإرجاء كما فعل يزيد بن المهلب بثابت قطنة حين ولاه عملاً من أعمال الثغور ، وقد وجد بنو أمية في تعاليم المرجئة ما يساعدهم على فرض رائع سلطانهم على المسلمين ؛ لأن الحساب مرجأ إلى الآخرة ، ولا داعي إلى فتحه منذ هذا العالم ، وهذا يعني أن من الأفضل التسليم بواقع الخلافة كما فرض رائعه الأمويون بغض النظر عن شرعيته أو عدمها على أن يترك لله أمر الثواب والعقاب"(66).
والقول بأن المرجئة انتصرت لغير العرب من سوء المعاملة التي يلقونها(67) قول ينقصه الدليل ، ويحتاج إلى ما يدعمه من الحوادث الثابتة ، وإذا كان هذا القول يرمز إلى وقفة ثابت قطنه وهو مرجئ مع من فرض رائعت عليهم الجزية أثناء أمرة أشرس السلمي بعد أن أسلموا ، فإن ثابتاً لم يكن وحدة في هذه الوقفة ، إذ كان معه عدد من العرب والموالي ، وكما أن ما حدث من أشرس بشأن الجزية إنما كان بتدبير من أحد الموالي ، ثم أن ثابت قطنة لم يقف هذا الموقف بدافع مذهب الإرجاء بل هو وقفه من أجل أنه التزم لمن أسلم بأن يرفع عنه الخراج ، فلما لم يف أشرس بما التزم به عبَّر ثابت عن سخطه مع مجموعة من أصحابه لم يؤثر عنهم أنهم من أصحاب الإرجاء(68) وحتى ثابت نفسه لم يعرف عنه اهتمام واضح بهذا المذهب أو قول فصل ، وكل ما ورد في سيرته هو أنَّ له أبياتاً من الشعر قال فيها بالإرجاء(69) .
والإرجاء ذاته لم ينتصر لجنس من الناس ضد جنس آخر أو للموالي ضد العرب ، فهو بمعناه البسيط تأخير أصحاب الذنوب وعدم الحكم عليهم بجنة أو نار إلى يوم القيامة ، والأصل أنه نشأ أيام اختلاف المسلمين في عهد علي بن أبي طالب ، فحدث أن توقفت جماعة من المسلمين من القول بالضلال على أحد ، وتحرّجت من الحكم على الناس ، ووكلت ذلك إلى رب العالمين ، وقيل أيضاً بأن معنى الإرجاء من أرجأ بمعنى بعث الرجاء أو أعطاه أي أن المرجئة يرجون لكل مسلم مغفرة من الله(70).
على أن مفهوم الإرجاء قد تطور واختلط بالجبرية والقدرية(71) وإن كان هذا التطور لم يؤثر عن الحارث بن سريج التميمي في خُراسان ، بل أثر عن بعض اتباعه كالجهم بن صفوان(72) الذي خرج من الإرجاء إلى القول بالجبرية الخالصة حتى أصبح صاحب مذهب بالغ التطرف نسب إليه ، وعرف باسم مذهب "الجهمية"(73) .
وقد عُرف الحارث في بداية أمره مقاتلاً صنديداً في جيش المسلمين برز في صفوف بني تميم أيام حصار "كمرجة" في أرض "سمرقند" عام 110هـ(74) وفي عام 116هـ خلع وأقبل من "النتخذ" حتى وصل إلى "الفارياب" وقدم أمامه بشر بن جرموز الضَّبى التميمي ، فوجه عاصم الهلالي (والي خُرسان) إليه حنظليين من تميم هما هلال بن عُليم والأشهب الحنظلي ومعهما جرير بن هَميان السدوسي البكري الوائلي ومنصور بن عمر بن أبي الخرقاء وخطاب بن محرز السلميان ومقاتل بن حيان النبطي مولى بني شيبان البكريين(75)، وقد أخفق هذا الوفد في مسعاه بسبب تعنت الحارث فتناول الموفدون الحارث في "مرو" ،وذكروا سيرته وغدره ،أما هو فقد استولى على "بَلْخ" وطرد عاملها نصر بن سيار(76) وولىَّ أحد ولد عبد الله بن خازم على "بَلْخ" وفيما بين أرض "الجوزجان" و "بَلْخ" كان الحارث يدعو إلى الكتاب كامل والسنة والبيعة للرضا ،ومعه ستون ألفاً من الفرسان فيهم حمَّاد بن عامر بن مالك الحِمَّاني السعدي التميمي ،وبشر بن أُنيف الرياحي اليربوعي الحنظلي التميمي ، ومحمد بن المثنى الحداني الأزدي اليماني ، ووابصة بن زرارة العبدي الربعي ،وقد وصف الطبري أصحاب الحارث بأنهم (فرسان الأزد وتميم)(77).
وبالمقابل كان مع عاصم الهلالي عدد من وجوه القبائل أشهرهم خالد بن هريم الثعلبي اليربوعي الحنظلي التميمي ، ويزيد بن قّران الرياحي اليربوعي الحنظلي التميمي(78) وقد اجتاح الحارث "الجوزجان" و "الفارياب" و "مرو الروذ" مما حدا بعاصم إلى التفكير في الهرب إلى نيسابور وطلب مدد من الخليفة بالشام لولا أن أصحابه التميميين ثنوه عن ذلك فمكث بـ "مرو"(79) .
وفي أرض "مرو" كانت المواجهة بين الطرفين الحارث بوجوه من عدد من العشائر مادة اللغة العربية ودهاقين العجم، وعاصم الهلالي بأهل مرو من العرب وغيرهم وحين أوشكت الهزيمة أن تحيق بالحارث وأصحابه طلبوا المهادنة فأجيبوا إلى ذلك ، وأرسل أهل "مرو" إليهم عدداً من الفقهاء والقراء وكبار القوم منهم:
المؤمن بن خالد الحنفي البكري ،ومقاتل بن حيان النبطي ،وأرسل الحارث محمد بن مسلم العنبري التميمي لمناظرتهم ،على أن المناظرة لم تسفر عن نتيجة ،فالتحم الفريقان من جديد وانهزم الحارث وأصحابه(80).
وعاد الحارث للحرب مرة أخرى ، وأوشك عاصم أن يتفق معه فيما يشبه الإجماع على مناهضة الخليفة بعد أن أرسل الخليفة أسداً القسري والياً على خُراسان مرة ثانية(81) غير أن هذه المحاولة فشلت بتصدي يحي بن الحضين زعيم ربيعة لها ،فنزل عاصم بقرية لكندة بأعلى "مرو" ونزل الحارث بقرية لبني العنبر التميميين ، فالتقوا بالخيل والرجال حتى انهزم الحارث بعد أن أبدى شجاعة عجيبة ، وكثر القتل في التميميين من أصحابه(82) وأدعّى أسد القسري هزيمة الحارث الذي تحصن بـ "مرو الرَّوذ" حيث الغالبية التميمية ، وتتابعت المعارك في "مرو الروذ" و "آمل" حتى اضطر الحارث إلى النزوح إلى "ترمذ"(83) في وقت اضطربت فيه أمور سمرقند ،وظهر نشاط دعاة آل العباس ؛ مما دعا بأسد إلى حشد عدد من المقاتلة من أبناء القبائل ،وتعيين رؤساء جدد عليهم أمثال الحوثرة بن يزيد العنبري الذي عينه على بني تميم ،ومنصور بن سالم الذي عينه على أهل العالية(84).
وقد بعث أسد الجيوش إلى "ترمذ" و"آمل" و "سمرقند"(85) كما قبض على نقباء الدعوة العباسية بتحريض من أحد الباهليين ،فتكلم اليمانيون من النقباء ،ودافعوا عن أنفسهم متذرعين بحسد الباهليين وحقدهم عليهم لشدتهم على قتيبة ،فعفا أسد عن اليمانيين ثم الربعيين ،وعذّب المضرييِن ،وهم من تميم وكاد أن يفتك بهم(86).
وكانت الضربة الموجعة لأصحاب الحارث علي يد الكرماني اليماني عام 119هـ وذلك في "بَلْخ" وفي قلعة "التبوشكان" بـ "طُخارستان" وكان مع الكرماني رؤساء اليمانية من أمثال سالم بن منصور البجلي وصالح بن القعقاع الأزدي(87) .
غير أن أسداً القسري وقواده وغالبيتهم من أهل اليمن قد لقوا عنتاً من الحارث حيث اعتصم بـ "طُخارستان" واستعان بالثائرين من الترك ببلاد ما وراء النهر ، وكانت حرباً مميتة جمع أسد فيها القبائل على راياتها والدهاقين ومع الحارث "خاقان" و"جيغوية الطخاري" وملك السغد وقد التقوا "ببَلْخ" و"مرو الروذ" ثم ببلاد ما وراء النهر وبـ "سمرقند" بالذات(88).

...متواصل انشاء الله.....
منقول للأمــــــــــــــــــانة




https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى