المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطوبة عمرها ثمانية عشر عاما (قصة)



Chakira
10-19-2013, بتوقيت غرينيتش 01:14 AM
موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة (http://www.dzbatna.com/vb)
قصد بيت مخطوبته كما واعد أهلها حسب الموعد المقرر لإتمام الترتيبات النهائية قبل الزواج، كانت الفرحة ترقص في عروقه وتملؤه الحياة فيملأ الحياة، ويتمدد الحبور في نفسه فيريه حقائق الأشياء تلبس بهجة الدنيا، وكأن كل ما حوله يضحك، بل سيطير فوق الأرض التي لا تسع فرحته إلى السماء، وبات يحلق بخياله في تلك الحياة الحديثة والعالم الذي سيدخله.



طرق الباب يحدوه الشوق ويدعوه الحنين للظفر من مخطوبته ولو بنظرة


تطفئ بعض شوقه، ولم لا؟ ومخطوبته متفتح قلبها في شعاع الكلام

كالزهرة في الشمس، حتى في خواطرها متوضئة متطهرة وكأنها في تلك

المدينة الفلسطينية الصابرة المجاهدة (جِنين) قمر طلع بليل، فتاة في

رونق صباها رائعة الحسن غضَّة العود. نشأت في بيت يتضوع مسكُ

الإيمانِ منه ويفوح عبير التُّقى في كل ركن من أركانه.


لم يدم اللقاء طويلا، فقد اتفقوا على الترتيبات وحددوا موعد الزفاف،

واستأذن الضيف مغتبطا فرحا لا يدري بما تحمله له الأيام وهي حبلى كل يوم بجديد.
علا رنين هاتفها يستدعيها فخفَّت إليه مهرولة تسلِّم بصوت هادئ، ويا

لَهول ما سمعت: لقد كان الاتصال يخبرها بنبأ اعتقال خطيبها من قِبَلِ


الاحتلال الصهيوني الغاشم، أسكتها الخبر ووقفت ذاهلة ساهمة تحسُّ


دموعا تتساقط في قلبها كقطرات الندى التي تنبئ بيوم مطير، وكأن


صفحةً حديثةً في قصة حياتها طفِرتْ لم تَحسب لها حسابا... تغضَّنَ فيها

كل شيء وأرْبدَ ولفَّه السواد في جلبابه، ووُئِدت الفرحة في مهدها... لا


تدري ماحدث لها بعد ذلك، كل ماهنالك أن قدميها ساقتاها إلى أقرب مقعد

بعدما ذرفت الدمع سخينا؛ لترمي بجسدها مختبلة متهالكة، كأن بنيانا

سقط، وهي تقول بصوت أبيض متهدج يتردد بين هدير بكائها: حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل.


مضى اليوم مثل عكارة الجو حتى تمالكتْ نفسها، وخفت موجة الحزن فقد

أيقنت أن الله وحده هو القادر المقتدر لا يعجزه شيء، وأنه ليس لها إلا

الصبر ولو كان مرَّا... أما أبو أسيرنا فلم تفته مسيرةٌ أو إضرابٌ إلا خرج

فيه يحدوه الأمل حاملا صور 2014ة ولده مناديا بتحريره، ولم يمنعه حكمهم عليه بالمؤبد من بقاء الأمل...







مرت سنون وسنون والمخطوبة محتسبة صابرة رغم ضغوطات تعرضت


لها ممن حولها بأن تتخلى عن خطيبها بعد حُكْمٍ عليه بالمؤبد، وكيف


تتمسك بخيط متهالك من الأمل وتترك مرور الأيام تذوي زهرة جمالها،

وتغيض ماء ابتسامتها، وحولها شبابٌ كثير يتمنَون زواجها بأدنى إشارة منها، هكذا كان يحدثها بعض مَن حولها.


مضت سنون وإذا قلنا (سنون) فإنا نتحدث عن ثمانية (http://www.dzbatna.com/vb/t327777/) عشرعاما من

الأسر حملت أحداثا جساما، فقد قامت فيها حروب وحروب أزهقت فيها


أرواح، وتطايرت أشلاء وسُجن من سجن وعُذب من عُذب حتى فاضتْ


روحه ورُدَّ إلى الله مولاه الحق وعُقدت فيه هدنةٌ فهدنة فخرْق لها، أعمار


مضت، كانوا يعدُّونها يوما يوما بل ساعة ساعة بل بدقات قلوبهم كنقرات


دفٍ بيد ضعيفة أنهكها الألمُ، وأسيرنا يراقب ذلك بألم مُمضٍّ، ومخطوبتُه

ترقب معه بدموعٍ غيرِ مرحومة وحنينٍ لا يفتر..



كم استنزفتْ كل ما في شفتيها من حرارة لتَحرقَ بها دموعا لا تريد لها أن

تنهمر، كم سجدت لربها في ظلمة ليلها سجدات مخلصة أرسلت فيها

دعواتٍ سائقُها الخشوعُ ومدادُها الدموعُ، تسأله أن يُحرر أسيرها وخطيبها،

ولم تفقد الأمل يوما؛ فقد كان لها عزيمةٌ تحسِر البلاءَ في مقداره، وبينما


هي في صبرها قوية تنتظر أخبار السماء إذا بالأمل يتجدد، ووعد الله


يتحقق، وتنجح صفقة تبادل الأسرى مع العدو الصهيوني الغاشم ويُدرج


اسمُ خطيبها ضمن المفرج عنهم، إنها دعوةٌ سرت إلى الله بليلٍ، ولم يَغفل

الله عنها جزاء صبرها واحتسابها. حُرِر خطيبها ذو الوجه الوضيء

والمروءة الموفورة والسلوك الرصين مُبعَدا إلى غزة وحان موعد اللقاء بعدما

هاتَفَهُ والده؛ فإذا به ينهض كأنما دفع إلى الوثوب دفعا آليا وقد جرت

البشاشةُ في وجهه وكله لهفة واندفاع: خطيبتي وأبي على معبر رفح

وتنتظر الدخول إلى غزة ثم طفق يبكي ويقول: يلا يلا بدّنا نروح نجيبهم،


ويالشجنِ اللقاء... لقاء تضيق الحروف عن وصفه؛ إذ تجاوز حجم

الكلمات ويعجز الشعراء عن وسمه إذ سما فوق المعاني،

لقاء تدمع له العيون وتدمى له القلوب؛ فقد احتضن والده حتى صارت

نفساهما نفسا واحدة، صبَّ أبوه من روحه في سروره وأخذ يتحسس جسده

كأنه غير مصدق نفسه، ثم بكى أبوه بكاء له أنين يسمع... واحتفى

بمخطوبته مقبلا عليها بشوق السنين وقد اختلطت الدموع بضحكات

جمعت بين روعة نفسها وقلبها الخالي كصفحة النور،

واصطبغت وجنتاها بلون الورد وهي ترى خطيبها بعد صبر السنين..

ولسان حالها يقول: تحريرك نصر من الله، فيرد قائلا: والنصر الأكبر يوم يتحرر كل أسرانا ونرى أقصانا طليقا.


موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة (http://www.dzbatna.com/vb)



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com/vb)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com/vb)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى