المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النُصب الفخاري...



loulou ange
10-18-2013, بتوقيت غرينيتش 11:49 PM
موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة (http://www.dzbatna.com/vb)
النُصب الفخاري...


ذلك المساء كان مختلفا... كان موحشا...
أجُرُ خطواتي مثقلاً...
دخلت القريه وحيداً كما خرجت وحيدا...
عدت بقلبٍ نصفه ميت ونصفه أقسى من الصخر...
بقايا نسمات باردة تلفح وجهي...
نسمات تخلفت عن فصل الشتاء , فقط لتهيج أشجاني...
لم يعد للنجوم رونق... لم يعد للمساء طعم...
حتى القمر فقد بريقه...
لم يعد للدنيا قيمه...

اتجهت لاشعوريا إلى أطراف القريه... إلى الجزء المطل على الوادي...
علّي أحظى ببعض السكينة...
علّي أجد كياني...
علّي أجد بقايا قلب تكبَّر فتحجَّر...
ألمٌ تتشربه الروح...
ألمٌ شرب منه القلب فوصل حتى نخاع العظم...

ساقتني خطواتي إلى دار العم محمود...
أسمع صوته... مازال يحكى الحكايا...
تقدمت وقد سبقتني روحي إليه...
من بعيد رأيت العم محمود...
رأيته كما عهدته... بجلسته ووقاره...
لم يحمل هماً...
لم يجرى خلف الفانية... ماتت زوجته فتحمل...
مات من يفترض أن يكون امتداداً له فصبر ولم يتذمر...
بقى وحيدا فحمد الله , ومازال يحكى الحكايا...

وقفت بعيدا... جوار شجره التوت المنتصبة... أنظر إليه وقد تحلق حوله الأطفال... هكذا كنا وكان... تغيرنا وظل كما كان...

... تغيرت عواطفنا...
جرفتنا الحياة...
أصبحنا أصناما، بل أوثانا...
غرقنا في الذاتية حتى كدنا نعبد شخوصنا...






نار أشعلها ليصطلي بها ويتخذها قبسا...
ظلالهم تتماوج... تتهادى... تداعبها النسمات الباردة...
تنفست بعمق... ملأت نصبي الفخاري برائحة التوت...
بدوت خاوياً فارغا... خوار كخوار عِجلهم...
رائحة منبعثة من الوادي تغسل قلباً بات حديداً صدأ...
رائحة هي خليط من الجورى والريحان والكادى...
رائحة الطين...
بل رائحة آدميتي التي فقدتها مذ تخليت عن محبوبتى...

غرور... تعالي...
فقدتها فمات قلبي...
أصبح فولاذا...

كانت تجلس جواري...
أطفالا لا نرى العالم إلا في حكايا العم محمود...
نرتص مع أبناء القريه أمامه... نراقب حركاته...
نشاهد كلماته متجسدة حِصناً وتنينا...
نسمعها بكاء وترنيمه...

تقدمت فربما أجد بعضاً مني تركته هنا...
قد أجد ذرات أنسانيه أو بقايا قلب ترَكَته طفله ورحلَت...

توسطْت الأطفال أمامه...
حروفه, كلماته...
صوته الرخيم بدأ يداعب أوتار قلبي...
أوتارٌ غدَت أسلاكا شائكة...
أوتارٌ أسرت روحا ترفرف كنورس صريع...

طفله جواري... تشبهها...
كأنها هي...
تأبطت ذراعي...
تُقبِلُ يدي, تستنشقني...
نقاء وفطره تسربت إلى روحي...
تذكرتُ... عدت للوراء كثيراً...
أتذكر يومَ رحيلي فأحزن... اكره نفسي...
كانت زوجه مطيعه... وكنتُ زوجاً أنانياً...
سقَطَت وفقَدت الوعي...
نزفَت هي فَرَحلّتُ أنا...
علام البقاء وقد مات ما في بطنها, مات ما كان يخنقني...

صوت العم محمود بدى واضحا جهوريا...
((كان يا مكان)) أميره أحبت فلاحاً...

انفجرتُ باكيا... دموع سالت على روحي...
فنبض في القلب جزء ميت...
فتت الصخر عن بقايا قلب تحجر...
نسمات الوادي و رائحة الطين أزالت صدأ راكمته السنين...

مسحت الطفلة على جبيني...
صوت الطفلة كصوت محبوبتى...
اخترقت كلماتها حواجز منيعه...
لماذا تبكي؟!!
أيقنت أنني تكبرت على النعمة...
عرفت...
نعم عرفت أنني بخستها حقها...

تأكدت...
تأكدت بأنني لن أنساها...

رغم يقيني بأنها تزوجت بعدي...

نظرتُ إلى العم محمود... التقت نظراتنا...
كأنه يقرأني... يسبِر أغواري...
قمت وتنحيت...
ابتعدتُ قليلاً واستلقيت...

قامت الطفله, دلَفَت ألي بيت العم محمود...
عادت ممسكه بِغطاءٍ بالكاد تسحبه...
اقتربت مني وغطتني...
جلسَت أمامي...
لو لم يمت طفلي لكان بعمرها...
انظر إليها دامعاً و تنظرُ الي مبتسمه...
أغمضتُ فنمت...

حركه أيقظتني...
نظرت إلى النار ولم يبقى منها إلا الرماد وخيوط من دخانٍ تتماوج مع نسمات الصباح البارده...
كانت الطفله نائمه أمامي...
حّركتُ يدي فتغلغلت في حضني...
احتضنتها ووضعت يدي على رأسها أداعب خصلات شعر انسدلت على وجهها و اقبِلها...

غريبه , أين أهلها؟!!
لو رآني والدها ماذا عساه يقول؟!!
وأين العم محمود؟!!
صوتٌ من خلفي يقول: هل أعجبتك؟!!
نظرتُ فكانت زوجتي!!!
مضطرباً جلست...
استيقظت الطفله واحتضنتني ...
احتضنتها فنامت...
زوجتي كما كانت, بل اجمل مما كانت...
انظر إلى عينيها الجميلتين فأتذكر...
كانت تتكلم ببطء, تتعانق الأحرف مع شفتيها...
تمنيت أن أعانقها...
سألتها: كيف علمتِ بعودتي؟!!
قالت: اخبرني العم محمود بكل ما جرى, فأيقنت انك عدت جديداً آخراً...
سألتها: ابنه من هذه؟!!
أجابت : أنها ابنتي...
حزنتُ من إجابتها, و أكملَت قائله:
بعد رحيلك, قررت أن أُسخِر باقي عمري لها...
فأقسمت أن لا يجتمع في قلبها فقد الأب وقسوة زوج ألام...
سألتها بلهفه: أتعنين؟!!
قاطعتني مجيبه: نعم هي ابنتك...
ولو لم يخبرني العم محمود بما حدث, لما أتيت إليك و لما سامحتك...

ضممت الطفله إلى صدري...
اقتربت بهدوء من زوجتي وبكل عذاب السنين كالطفل رميت رأسي في حضنها...
رميت رأسي على صدرها فأطلقَت تنهيده طويييييله...
تنهيده, لو وافقت شجراً لأحرقته...
وبكل حنان الأرض كالأم طوقت رأسي بذراعيها...
استقر رأسي على صدرها فدرّ قلبها دفئ استقى منه قلبي وارتوت منه عروقي...
وضعَت رأسها على رأسي وكأنها تزيح عن كاهلها عذاباً بثقل الجبال...

أجهشتُ بالبكاء فأخذَت تمسح دموعي بيدها الحانيه وتُرَبِت على كتفي بالأخرى...
بكيت على صدرها حتى النخاع...
انهمرت دموعها على وجهي وتقاطرت من أطراف شعرها...
كل دمعه تحكي قصه, تروي روايه...
اختلطت دموعنا و انحدرت على وجه الطفله...
استيقظَت ونظَرَت إلينا...
ابتسمت وغطت في سبات عميق....
من بعيد رأيت العم محمود...
رأيته كما عهدته... بجلسته ووقاره...
لوَّحَ بيده مبتسماً و غاب في الوادي...


سوري سرقتها وجبتها هون
منقول


موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة (http://www.dzbatna.com/vb)



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com/vb)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com/vb)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى