المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بَـيـْنَ مَـوْتٍ و وِلادَة ..



admin
10-18-2013, بتوقيت غرينيتش 10:35 PM
موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة (http://www.dzbatna.com/vb)

بَـيـْنَ مَـوْتٍ (http://www.dzbatna.com/vb/t284700/) و وِلادَة (http://www.dzbatna.com/vb/t284700/) ..







أَعْتَرِفُ لَكِ بِذَنْبِي ؛ إذْ أَطَعْتُ نِدَاءَ القَلْبِ المَوجُودِ فِي جَسَدِي " جَوَازَا " و الـمَفْقُودِ " وُجُوبَا " دُونَ حِسَابٍ لِعَاقِبَةِ الأَمر ..
عُذَيْرَكِ فِتْنَةَ اليَاسَمِين ..!
أنَا رَجُلٌ أَتْقَنَ التَّمَتْرُسَ خَلْفَ الشِّعْر؛ مُتَّقِيَاً هَجَمَاتِ الأَيَّام ؛ لَكِنَّهُ فَشِلَ فِي اسْتِيْعَابِ نُسَيْمَاتِ الرَّوَق , و تَكَاءَدَهُ القَرَار ؛ فَلا هُو رَيَّمَ بِولاجِه , و لا هُو رَجَعَ عَلَى إدْرَاجِه .
مَا كُنْتُ عَلَيْكِ لأَقْسُو ؛ بَيْدَ أَنِّي وَرِثْتُ القَسْوَةَ مِنْ تَرَسُّبَاتِ الأَلَم؛ طَعْنَاً فِي مَقَارِ الـرُّوحِ و أَخَادِيْداً للأَصْبَحِيّ فِي البَدَن ..
وُلِدْتُ إثْرَ كُلِّ مَوت , فَلَمْ أَعُدْ أُدْرِكُ مَا عُمْرِي ..
أَثَلاثُونَ أَمْ عَشْرُ أَم أَرْبَع ..!
جَاءَنِي الـمَوتُ عَطُوفَا ؛ فَسَاءَتْنِي وِلادَةٌ أَشَدُّ غَرَابَةً مِنْ ذَاكَ السَّرِيْرِ ومِنْ تِلْكَ الفَتَاةِ بِرِدَائِهَا الأَبْيَض , و الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُهَا إلا تَذْكِيْرِي بِأَنِّي فِي العِشْرِيْن مِنْ عُمْرِي , و أَنَّي نَجَوتُ بِأُعْجُوبَةٍ ؛كَانَتْ حَدِيْثَ الـمَدِيْنَةِ بِرُمَّتِهَا ,و إقْنَاعِي بِوُجُوبِ إطَاعَتِي لِتَوصِيَاتِهَا وهِي تَهُمُّ بِفَتْحِ وَرِيْدِي ؛ لِئَلا أَغْدُو خَبَرَاً عَاجِلاً تَلُوكُهُ الأَلْسُنُ بَيْنَ نَزْكٍ و رِثَاء .
اشْتَدَّتِ البُرَحَاءُ فَتْكَاً بِمَا تَبَقَّى مِنْ بَعْثَرَةِ جَسَدِي الـمُمَزِّق ؛ حَتَّى كِدْتُ أَسْمَعُهَا تَقُولُ لِي : مَازِ رَأسَك ..
كَانَ التَّبَتُّلُ مَلاذَاً لِهَنِيْنِي ؛ فَوَدِقْتُ بِهِ إذْ كَادَ يَغْلِبُ اليَأسُ يَقِيْنِي ,و غَزَلْتُ مِنْ نَحِيْبِ الـحَنَايَا أَلُوكَاً مِنْ وَكْتِ شِعْرِي :





خُذِيْنِي إلَيْهَا أسِيْرَاً خُذِيْنِي=أَيَا رِيْحَ مَنْبِجَ لا تَعْذِلِيْنِي
عَشِقْتُ الدِّيَارَ و عَنْهَا ارْتِحَالِي=و فِيْهَا فُؤادِي و مِنْهَا أَنِيْنِي
دِيَارٌ لَكَمْ هِمْتُ فِيْهَا اشْتِيَاقَاً=لإيْمَاءِ وَجْدٍ مِنَ المُقْلَتَيْنِ
فمَا غِبْتُ عَنْهَا دَهَانِي وَجِيْبٌ=و أَذْكَى بِقَلْبِي قَصِيْدَ الحَنِيْنِ
أُنَاجِيْكَ رَبِّي خُشُوعَاً و دَمْعِي=مِنَ العَيْنِ فَيْضٌ غَزَا الرَّاحَتَيْنِ


<****** type="****/java******">doPoem(0)</******>



جَاءَنِي الـمَوتُ رَحِيْمَا ؛ فَاخْتَطَفَتْنِي وِلادَةٌ أَشَدُّ إيْلامَاً مِنْ هَجْمَةِ شِتَاءِ تِلْكَ الأَبْنِيَةِ الـمَهْجُورَة,و الَّتِي لَطَالَمَا سَادَهَا صَمْتٌ مُخِيْف, لَمْ يَقْطَعْهُ إلا نَعِيْبٌ لِسِرْبِ غَرَابِيْنَ _ عَلَى كُرْهِي لَهَا _ كُنْتُ أَرْقُبُ اجْتِمَاعَهَا فِي كُلِّ صَبَاحٍ و غُرُوب ؛ارْتِقَابَ السَّرْبِ السَّاهِفَ لِوْجَهِ الحَبِيْبَة .
لَمْ أَكُنْ لأَعْرِفَ عَنْهَا إلا نَعِيْبَهَا المـُتَهَادِي إلَيَّ كَنَحِيْبِ قُبَّرَةٍ رَؤوم ,حَتَّى أُعَانِقَ لَوحَةَ الذُّهُولِ فِي بُكَائِيَّةِ الأَسْرِ
الـمُطِلَّةِ عَلَى سَاحَةِ الـحُرِّيَةِ , حَيْثُ كُنْتُ أُلْقِي التَّحِيَّةَ عَلَى إيَاةِ ابْنِ ذُكَاءَ مَرَّةً كُلَّمَا أَعْشَرَتِ الأَيَّام , أُحَمِّلُهُ لَهِيْبَ حَنِيْنِي لِرَائِحَةِ البُنِّ الـمُنْبَعِثَةِ مِنْ فُنْجَانِ أَبِي , و لَوعَتِي لأجْتَلِي الدِّفْءَ رَأْوَةً عَلَى وَجْهِ أُمِّي ؛ فَيُنْشِدُ الحَنِيْنُ بَيَانَه :




إنِّي ذَكَرْتُكُمُ و الشَّوقَ فِي كَبِدِي=مُدَّثِّرَاً صَفَدَاً يَزْهُو بِمُعْتَقَدِي
مَا هَمَّنِي التَّعْذِيْبُ قِرَىً لِنَائِبَةٍ=و لَكَمْ تَزِيْدُ رَدَىً فَأزِيْدُ مِنْ جَلَدِي

<****** type="****/java******">doPoem(0)</******>




جَاءَنِي الـمَوتُ مُخَلِّصَا ؛فَاحْتَضَنَتْنِي وِلادَةٌ أَشَدُّ ضَرَاوَةً مِنْ تِلْكَ الـمَخْلُوقَاتِ الَّتِي يَصِفُهَا البَعْضُ بِصَدِيْقِ الإنْسَان ؛ و الَّتِي كَانَتْ تَزُورُنِي , تَارَةً مَكْمَومَةَ الأفْوَاهِ انْتِظَارَاً لِمَا قَدْ يُسْعِفُنِي بِهِ التَّرْهِيْبُ مِنْ كَلِمَاتٍ تَخُطُّ قَرَارَ الهَيْئَةِ المُوقَّرَة , و تَارَةً أُخْرَى لا يَفْصِلُهَا عَنْ قِطْعَةِ اللَّحْمِ البَشَرِيَّةِ الَّتِي أسْكُنُهَا رُوحَاً إلا مَودِقٌ مِنَ الاحْتِرَاز ؛ لولاهُ لَكُنْتُ شِلْوَاً مَنْسِيَّا
بَيْنَ رَحْمَةِ الـمَوتِ و قَسْوَةِ الوِلادَة ؛ وَجَدْتُنِي أَمْشِي مَرَّةً أُخْرَى عَلَى أَرْصِفَةٍ ؛ مَا خِلْتُ قَدَمَيَّ تَطَآنِهَا , يَلُفُّنِي البَرْدُ فِي أَوجِ الرَّمْضَاء , و يُنْدِي جَبَيْنِيَ الوَهْجُ فِي كُنْهِ الصَّقِيع ..
فَقَدْتُ حَاسَّةَ إدْرَاكِ الفُصُول , و بَاتَتْ جَمِيْعُ الفُصُولِ بِالنِّسْبَةِ لِي اسْتِمْرَارِيَّةً لأطْيَافٍ تُلاحِقُنِي فِي صَحْوِي و الوَسَن , أَسْمَعُ أَصْوَاتَهَا تَسْخَرُ مِنِّي و تَكِيْلُ لِيَ الوَعِيْدَ بِلِقَاءٍ لَنْ يَطُولَ انْتِظَارُه , و أَرَى أَقْنِعَتَهَا و تِلْكَ الإبْدَاعَاتِ الَّتِي كَانَ لِي شَرَفُ اللِّقَاءِ بِهَا فِي جَلَسَاتٍ خَاصَّةٍ جِدَّا , و أُتَمْتِمُ بِمَا كُنْتُ أَهْذِي بِهِ بَعْدَ صَحْوِي مِنْ كُلِّ إغْفَاءَةٍ لا إرَادِيَّة :




لَنْ يَمْحُوَ الطُّغْيَانُ سَنَا طُفُولَتِنَا=فَاليَاسَمِيْنُ لَنَا وشَآمُنَا الوَطَنُ
ما هَمَّ أَوْرِدَتِي نَكْلٌ يُؤَرِّقُهَا=فَهَدِيْرُ أَنْفَاسِي لِدِمَشْقَ مُرْتَهَنُ
مَا فِي مَآقِيْنَا دَمْعٌ تُقَشِّبُهُ=يَا لَيْلُ إنْ نَادَتْ مِنْ مَنْبِجَ الـدِّمَنُ
مِطْوَايَ إيْمَانِي بِاللهِ و النَّجْوَى=حَتَّامَ يَغْشَانِي فِي سُهْدِيَ الوَسَنُ

<****** type="****/java******">doPoem(0)</******>




تَلاشَتْ فُصُولِي يَا نَدِيْمَةَ الفُؤاد , و سَادَ الألَمُ اخْتِزَالاً لِلشُّعُور , و انْطَوَى عَلَيَّ الظَّلامُ يُرَتِّلُ بِخُشُوعٍ مَرْثِيَّةَ الوَدَاع ..
عُذَيْرَكِ صَغِيْرَتِي ..!
حَاوَلْتُ أَنْ أَنْزَعَ عَنْ أسْجَافِ تَامُورِي قَسْوَةَ الأَيَّامِ فَمَا اسْتَطَعت , و جُهِدْتُ مُشَرِّعَاً للبَسْمَةِ مَا أَوصَدَتْهُ فَفَشِلت ..
حَزِنْت , و مَا أَظْهَرْتُ لَكِ مِنَ الـحُزْنِ مَا قَدْ يُدِيْنُنِي ؛ إذْ لَمْ أَمْنَحْكِ كَأيَّةِ وَرْدَةٍ فِي رَبِيْعِهَا العِشْرِيْن نَدَىً مِنَ الـحُبِّ ؛ يَرْسُمُ عَلَى وُرَيْقَاتِ بَرَاءَتِهَا أَبْجَدِيَّةَ القَلْبِ عِنَاقَاً للرُّوح ؛ بَلْ أَهَلْتُ عَلَى جَوَانِيْهَا الغَضَّةِ مِنَ الـحُزْنِ مَا كَادَ يَفْطُرُهَا ..
لَنْ يُفِيْدَنِي اعْتِذَارِي لَكِ و لَنْ يُفِيْدَك ؛ غَيْرَ أَنِّي سَأَمْنَحُكِ آخِرَ مَا لَدَيَّ مِنْ حُرِّيَّةٍ كُنْتُ قَدْ خَبَّأْتُهَا لِمُوَاجَهَةٍ حَتْمِيَّةٍ مُنْتَظَرَةٍ مَا بَيْنِ الـمَوتِ و الوِلادَة ..
طَلِيْقَةٌ أَنْتِ .. أُحَرِّرُكِ _ الآنَ _ مِنْ قُيُودِ حُبِّيَ و قَسْوَةِ قَسَمَاتِي المُرْمَلَة ..
مَعْذِرَةً مِنْكِ يَاحُلُمَاً ؛ نَهَانِي دَوِيُّ الذَّاكِرَةِ عَنْ مُعَانَقَةِ أَكْنَافِه ..
أَحْبَبْتُكِ بِطَرِيْقَتِي الخَاصَّةِ جِدَّاً .. وهَأَنَذَا أَرْحَلُ عَنْكِ فِي مَوكِبٍ جَنَائِزِيّ للرُّوح ؛ يَجُوبُنِي مِنْ أَقْصَايَ إلَى أَقْصَاي ..




دَعِيْنِي قَبْلَ أَنْ أَشُدَّ حَيْزُومَ الغِيَابِ أُوَثِّقُ لَكِ اعْتِذَارِي بِبَصْمَةِ وِجْدَانِي :




إلَيْكِ الشِّعْرُ مُنْسَكِبَاً=عَلَى الأوْرَاقِ يَعْتَذِرُ
فَأنْتِ جَمِيْعُ آثَامِي=و أْنَتِ الصَّفْحُ و الـعُذْرُ
و أَنْتِ لِمُهْجَتِي مَنْفَىً=و أَنْتِ الدَّارُ تُعْتَمَرُ
و أَنْتِ خَرِيْفُ أحْزانِي=لَهُ الوِجْدَانُ يَأتَمِرُ
و أَنْتِ قَصِيْدَةٌ نُقِشَتْ=بَنَزْفِ حَنِيْنِهَا الـصُّوَرُ
و أَنْتِ غُرُوبُ نَيْسَانِي=و أَنْتِ الـمَهْدُ و القَبْرُ
أُرَتِّلُهَا اعْتِذَارَاتِي=وَمَىً و الرُّوحُ تَنْفَطِرُ






<****** type="****/java******">doPoem(0)</******>








زهير إبراهيم حنيضل
مِنْ أَرْشِيْفِي
04/12/2014



موضوع مقدم من منتديات ديزاد
منتديات ديزاد باتنة (http://www.dzbatna.com/vb)



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png (http://www.dzbatna.com/vb)
©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى (http://www.dzbatna.com/vb)©

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى