المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقومات وأركان السعادة الزوجية



ام بهاء
09-30-2013, بتوقيت غرينيتش 12:28 AM
مقومات وأركان السعادة الزوجية

بسم الله الرحمن الرحيم





ان من نعم الله عزوجل التي من بها على عباده ان خلق لهم من أنفسهم أزواجا ليسكنوا اليها وجعل بينهم مودة ورحمة. قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). تلك النعمة العظيمة التي لا يعرف قدرها الا من حرم منها ولكن هذه الحياة الزوجية قد يشوبها شيء من الفتور ويحصل فيها شيء من المنغصات التي قد تكدر صفوها، ولا شك أن كل زوح حريص على ان تكون حياته الزوجية حياة سعادة وهناء فكيف يحافظ الزوجان على بيت الزوجية سعيدا آمنا من التفكك والمنازعات ترفرف عليه الرحمة وتحيطه المودة فنقول والله المستعان، ان الشارع حكيم جعل لكل شيء قدرا وقرر واجبات وحقوق فإذا قام كل مسلم بما وجب عليه شرعا تحقق له كل خير في الدنيا والآخرة .. ولذا فان هناك توجيهات ينبغي لكل من الزوجين الأخذ بها لتكون حياتهما سعيدة ويعيشا عيشة رغيدة في ظل تعاليم شريعتنا السمحة.

وهنا أقول: ان أول أمر ينبغي ان يتنبه له كل زوج وزوجة لتبقى حياتهما ترفرف عليها السعادة تقوى الله عزوجل ففي تقوى الله سعادة الدنيا والآخرة وهي وصية الله للأولين والآخرين وتقوى الله خير الزاد (وتزودوا فان خير الزاد التقوى) وتقوى الله فيها سعة الرزق وفيها الفرج من كل هم وغم وهي سبب لرزق الانسان من حيث لا يحتسب يقول جلا وعلا (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). وقد أحسن الشاعر الذي يقول:

ولست أرى السعادة جمع مال .... ولكن التقي هو السعيد

فمهما كثر مال المرء وزاد جاهه ومنزلته إذا عرى ذلك من التقوى فمن له بالسعادة. وعلى المرء رجلا كان أو امرأة لزوم ذكر الله عزوجل فبذكر الله تحصل طمأنينة القلوب والطمأنينة عنوان السعادة يقول جلا وعلا ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وذكر الله سبب لذكر الله للعبد قال تعالى ( فاذكروني أذكركم) وإذا ذكر العبد ربه في نفسه ذكره الله في نفسه واذا ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه، كما جاء بذلك الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وبذكر الله تحيا القلوب ويزول عنها الران والذنوب وتقترب من علام الغيوب. يقول سابق البربري رحمه الله:

والذكر فيه حياة للقلوب كما ..... تحيا البلاد إذا ما جاءها المطر

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن في ذكره سبحانه سعادة الدنيا والآخرة وأن الإعراض عن ذكره سبب في الضيق والحرج في الدنيا وان يحشر يوم القيامة أعمى قال تعالى ( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).

وعلى كل زوج أن يعرف ما له وما عليه فان الشارع الحكيم قد بين أن على الزوج حقوقا لزوجته وله واجبات عليها، وعلى الزوجة حقوق لزوجها ولها عليه واجبات فمن الحقوق التي ينبغي ان يقوم بها الزوج لزوجته أن ينفق عليها النفقة الكافية لها المناسبة لأمثالها وحسب عسر الرجل ويسره قال تعالى ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ماأتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا). فعلى الزوج ان يعطي زوجته من النفقة ما يكفي حاجتها مما يعطي لأمثالها مع مراعاة مقتضيات العصر فان بعض الأزواج عندما يعطي زوجته مبلغا من المال مثلا يضع في ذهنه حال الناس قبل ثلاثين أو أربعين سنة مثلا فالنساء في السابق لهن حاجات وفي اللاحق لهن حاجات وحاجات النساء في هذا الزمان أكثر بكثير مما كانت عليه في السابق فتحتاج المرأة لذلك لتصير مثل قريباتها ومثيلاتها في السن، فهي لا تريد ان تكون أقل من مثيلاتها من النساء بل تحب في الغالب أن تكون أحسن منهن ومحل فخر ومضرب المثل منهن هذا في الغالب فاذا رأت زوجها يقتر عليها وهو مستطيع فان الزوجة ستغضب وتسأله لم؟ هل أنا أقل من فلانة وفلانة؟ ولماذا فلانة يشتري لها زوجها ما تريد ويدك معي مغلولة؟ وهكذا، ومن هنا تبدأ المشكلات وتزول السعادة ويحل محلها التعب والغضب والشحناء والتأفف. نعم ليس كل النساء تحمل هذه الصفات وان منهن من تتنازل عن كثير من الأمور طلبا لسعادتها واسعاد زوجها، ولكن ليس كلهن ينظرن لذلك وأحيانا المرأة تكون مقتنعة الى حد ولكن يأتيها من يثيرها ويؤلبها على زوجها، وهنا تكون الزوجة مهيأة نفسيا لإثارة أي مشكلة وحينئذ ينبغي على الزوج ان يعطيها من النفقة ما يكفيها ويسد حاجتها بلا افراط ولا تفريط يقول تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).

ومثل ذلك الكسوة وذلك بان يكسوها بمثل ما تكتسي به مثيلاتها وقريباتها فللشتاء ما يناسبه من الكسوة وللصيف ما يناسبه من ذلك وللأعياد والمناسبات ما يتناسب معها دون اسراف أو مخيلة.

وكذلك السكنى بأن يهيئ لها سكنا مناسبا فان من الناس من وسع الله عليه ومع ذلك يضيق على نفسه وزوجته فيصر على سكن زوجته مع أهله واخوانه مع أنه قادر على توفير سكن لها وليس هناك حاجة ماسة لبقائه داخل ذلك المنزل المتخم بأفراد الأسرة فالمرأة لا تقابل زوجها الا في غرفة نومها وفي الليل غالبا أما سائر اليوم فهي متحجبة فهذا أخ للزوج وذاك عم وهكذا. فتحس المرأة بشيء من الضيق ولا يخلو لها زوجها الا في ساعات قد يكون متعبا لا يستطيع محادثتها ومؤانستها ثم ان سكنى الزوجة مع أهل الزوج أحيانا يكون مدعاة للمشكلات والنزاعات مع النساء الأخريات خاصة اذا رزقت بأولاد وأخذ الأولاد يحتك بعضهم ببعض وهكذا وانا أؤكد هنا اذا لم تدع الحاجة لذلك وكانت ظروف الزوج المالية تسمح بذلك ولم يكن لبقاء الزوج في بيت والديه ضرورة فان استقلاله بمسكنه مما يسعده ويريح زوجته ويقضي على كثير من الإشكالات.


كما أن على الزوجة ان تعرف ما يجب عليها تجاه زوجها واحترامه والتزين له وإدخال السرور والبهجة على قلبه فان الزوج في الغالب يأتي بيته متعبا من أعباء العمل يبحث عن الراحة والاستقرار في بيته فعلى المرأة ان تحسن استقباله وان تعمل على ما يزيل تعبه وهمومه فتستقبله استقبال المشتاق المحب ويعلو محياها الفرح والسرور بقدومه وهذه أمور يسيرة مقدورة للمرأة وتترك في نفس زوجها من الأثر الحسن الشيء الكثير، فاذا دخل ووجد طعامه مهيأ وزوجته تقابله بابتسامة ثم ذهب ليرتاح ووجد زوجته تعمل على راحته غمرته السعادة وصار وهو في عمله يترقب العودة لهذا المنزل لأنه لا يسمع فيه الا الكلام الجميل ولا يرى الا ما يسعد ويفرح ولذلك كان من وصايا احدى النساء لابنتها عند زواجها ان تعمل جاهدة الا يرى زوجها منها الا كل مليح ولا يشم منها الا أطيب ريح واوصت امرأة أخرى ابنتها ان تراعي طعام زوجها ومنامه. ولو رأيت حال بعض النساء مع أزواجهن لما استغربت كثرة المشكلات بينهما وربما حصل الطلاق تبعا لذلك فتراها تستقبل زوجها بالصخب والسخط وبثياب المطبخ التي يفوح منها زفر الطعام ويزداد صراخها وصراخ أولادها وزوجها منهك القوى لا يستطيع تحمل كل ذلك فلا عليه إذا ان يغضب فهي لم تبحث عن اسعاده بقدر ما اتبعت نفسها هواها تقول وتفعل ما تريد فعلى من أراد السعادة ان يطالب بأسبابها ويسعى حثيثا لذلك رجلا كان او امرأة.

ان على الزوج ان يعرف انه لا يخلو أي بيت من هذه المشكلات التي تعتري حياته الزوجية فمستقل من ذلك ومستكثر حتى بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم قد حصل له ما حصل من منغصات في بيته رغم عدالته صلى الله عليه وسلم وحب نسائه له فمحبته صلى الله عليه وسلم عبادة يتقرب بها العبد الى الله عزوجل ومع ذلك حصلت له مضايقات مع زوجاته بسبب المطالبة بشيء من النفقة التي لا يستطيعها فهو صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأجود الناس لكن قلة ذات اليد منعته من تحقيق رغبتهن فلما ضايقنه صلى الله عليه وسلم اعتزلهن شهرا، ولنقف مع هذه الآيات العظيمة التي تحدثت عما دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه ونستلهم منها العبر يقول تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما).
فاذا كان بيت النبوة لم يسلم من المشكلات رغم أنموذجية زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وحبهن له وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره في عدله وخيريته لأهله على سائر الناس "خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي" ومع ذلك لم يسلم بيته الكريم من مشكلات فلا غرابة ان تحصل إذا عند مثلي ومثلك مع تقصيرنا وما يصدر منا من ذنوب فان المرء قد تكون ذنوبه سببا لما يحصل له من مشكلات في بيته وغيره يقول تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ).
يقول أحد السلف والله اني لأجد أثر معصيتي في تغير معاملة زوجتي وفي سلوك دابتي فعلى المرء ان يصبر ويحتسب الأجر فيما يحصل له من مشكلات ولا يجعل هذه المشكلات همه الذي يفكر فيه صباح مساء بل يضع هذه المشكلات تحت قدميه ويمسحها من تفكيره ولا يلتفت اليها فانما هي زوابع عارضة ان لم تعرها اهتمامك زالت في لحظات وان كبرتها وتبادلت مع زوجتك التهم والمد والجزر زادت وتحولت الى قلاقل ومصائب عظام فتعامل مع المشكلات على أنها أمر يسير وغض الطرف فان النساء خلقن من ضلع أعوج وان أعوج مافي الضلع أعلاه فان ذهبت تقيمه كسرتها وكسرها طلاقها وان استمتعت بها استمعت بها وبها عوج وأذكر قول الشاعر:

ليس الغبي بسيد في قومه .... لكن سيد قومه المتغابي

والصبر أمر مرغوب فيه في كل الأحوال ومطلب شرعي في استقرار الحياة الزوجية وذلك ان المرء في هذه الحياة قد يأخذ أسلوب المجاملة مع زميل أو صديق إذ مكث معه مدة قصيرة وتنتهي ولكن الحياة الزوجية أمر يراد لها الاستمرار وتكتنفها ظروف عدة ولذلك فلا بد ان يروض المرء نفسه على الصبر والله سبحانه وتعالى أمرنا بالاستعانة بالصبر والصلاة في كل أمورنا فقال تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة) وقال تعالى ( واصبر وما صبرك الا بالله) وقال ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) والحياة الزوجية لا تخلو من منغصات اما من الزوجة أو ابن أو بنت أو غير ذلك فلا بد ان يقابل ذلك بالصبر ومع الصبر الظفر والصبر مفتاح الفرج وقديما قيل : من صبر ظفر.


وعلى المرء زوجا أو زوجة ان لا يجعل جل همه وتفكيره النظر في عيوب الآخر بل عليه ان ينظر الى الجوانب الايجابية واللمسات الجميلة يتذكرها دائما ولن يعدم ان يجد أحد الزوجين لصاحبه من خلال حميدة . جاء رجل الى عمر فلما دنا من منزل عمر سمع صوت زوجة عمر وقد ارتفع تجادل عمر وتلومه فرجع الرجل فرآه عمر رضي الله عنه فدعاه وسأله لماذا رجعت؟ فقال: يا أمير المؤمنين أتيت شاكيا لزوجتي فلما سمعت صوت زوجتك قد ارتفع رجعت فأخبره عمر رضي الله عنه ببعض شمائل زوجته من غسل ثيابه وطبخ طعامه ورعاية اولاده وقضاءحاجته فلا عليه اذا أن يتجاوز عن بعض أخطائها فعمر رضي الله عنه هنا نظر الى الجانب الايجابي ولم يركز على السلبيات وهذا منهج في التعامل الأسري فريد من نوعه، فلو أن كل زوج أو زوجة نظرا للإيجابيات وعظمها في نفسه وغض الطرف عن بعض السلبيات التي غالبا ما يعظمها الشيطان وخفف المحاسبة عن كل صفيرة وكبيرة لعاشا في سعادة تامة.

كما أن الهدية وما أدراك بالهدية! انها تذهب سخيمة القلوب والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بها فقال: "تهادوا تحابوا" فما أجمل أن يقدم الزوج لزوجته بين الحين والآخر هدية ولو كانت قليلة أو رخيصة الثمن فهي بقيمتها وأثرها المعنوي لا الحسي وما أجمل ان تفعلها الزوجة ان أمكنها ذلك فهي أشياء يسيرة ولكن أثرها كبير تزرع السعادة والمودة وتصفي النفوس.

ان مما ينبغي التنبيه له وهو من الأمور المهمة جدا وله أثره في استقرار الحياة الزوجية ويثمر السعادة ان يتولى الزوجان بأنفسهما حل ما يدور بينهما من مشكلات دون ان يتدخل في ذلك احد أيا كان هذا الأحد سواء كان من أهل الزوجة أو أهل الزوج بل ينبغي ان يتم حل مشاكل هذه الاسرة داخل بيتها الصغير دون ان يتدخل الآخرون في ذلك، فبكلمة طيبة من الزوج يزول ما في نفس الزوجة وتعود الأمور لمجاريها وبابتسامة من الزوجة تصفو نفس الزوج ويعود الود وتسود المودة والرحمة وترفرف السعادة، أما اذا دخلت أطراف أخرى فان المشكلة ستكون أكثر تعقيدا وأبعد عن الحل وكل سيقول الحق قولي وغيري مخطئ.

وهناك مسألة تغيب عن أذهان الكثير من الرجال والنساء ألا وهي مسألة احتساب الأجر عند الله عزوجل لمن صبر على الأذى فكم من امرأة أذاها زوجها فصبرت على الأذى ابتغاء ما عند الله فرزقها الله في الدنيا سعة في الصدر وقوة في التحمل وما تنتظر عند الله من الأجر باذن الله أكبر وأعظم. ومثل ذلك الرجل الذي يصبر على أذى زوجته طلبا لما عند الله في العاجل والآجل.

ولعلي في ختام عرض هذه الوصايا أذكر كلمات عظيمة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سئل عن التقوى فقال: هي الخوف من الجليل والايمان بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.فلو طبق كل واحد منا هذه الكلمات الأربع على نفسه وتساءل هل حققها وعمل لذلك بصدق وواقعية لأسف على تفريطه أسفا شديدا، والله ان المؤمن الذي يرزقه الله فقه هذه الكلمات التي فسر بها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه التقوى ثم يطبقها بحق فلن يجد الشقاء، بل سيكون من أسعد الناس لأن نظرته تسامت عن الدنيا وتطلعت نفسه للآخرة، وهذا والله الفوز الذي لا يماثله فوز والسعادة التي لا تجاريها سعادة.


منقول بقلم الدكتور عقيل بن عبدالرحمن العقيل.



https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-ash4/482113_236967293114455_1193518507_n.png
موضوع حصري لمنتديات شباب باتنة

استعمل مربع البحث في الاسفل لمزيد من المواضيع


سريع للبحث عن مواضيع في المنتدى